استنفار عصبيّة الأرثوذكس

حازم صغية

 

مع الحملة التي رافقت زيارة البطريرك المارونيّ بشارة الراعي إلى “الأراضي المقدّسة”، ظهر من يستنفر عصبيّة الروم الأرثوذكس. ممانعون هنا وهناك ناشدوا الطائفة المذكورة أن تتحرّك بوصفها طائفة العروبة والعروبيّة. بعضهم ذكّر بأنطون سعادة وميشيل عفلق، علماً بأنّ الأوّل لا يُشقّ له غبار في العداء للعروبة.

بعضهم استحضر عبارة للمطران الأرثوذكسيّ جورج خضر يُفهم منها الاعتراض على ما فعله بطريرك الموارنة. التذكير بغسّان وتغلب ظلّ تهديداً يلوح في الأفق.

حسناً إذاً. ففيما نحن في أمسّ الحاجة إلى التقريب بين السنّة والشيعة، وبينهم وبين المسيحيّين، يجد الممانعون ضالّتهم في تحريك الحساسيّة الأرثوذكسيّة المفترضة حيال الموارنة. وهذا تطبيق آخر لاستخدام الموضوع الفلسطينيّ – الإسرائيليّ استخداماً تفتيتيّاً. إنّه المبدأ الكارثيّ نفسه في استعمال جديد له.

لكنّ المشكلة الأخرى في هذا الجهد أنّه جهد مبدّد. ذاك أنّه بات من الصعب جدّاً استنفار عصبيّة الأرثوذكس في مواجهة الموارنة. فإذا كان صحيحاً أنّ العصبيّات في زمننا تقوى ولا تضعف، فهذا التطوّر المؤسف اتّخذ، في حالة الأغلبيّة الأرثوذكسيّة، شكل الاندماج في عصبيّة مسيحيّة أعرض.

مثل هذا التحوّل لم يُعدم أسبابه الكثيرة. ففي الحرب، لا سيّما حرب الجبل أواسط الثمانينات، وجد الأرثوذكس أنفسهم يواجهون الظروف نفسها التي يواجهها الموارنة. وإذا كان الحزبان السوريّ القوميّ والشيوعيّ القاطرتين الأبرز للفعل السياسيّ الأرثوذكسيّ، فإنّ المصائر البائسة التي انتهى إليها الحزبان لم تعد تسمح برهانات سياسيّة أرثوذكسيّة تتجلبب بالعلمنة.

فوق هذا، فالنظر في أحوال الزعامات الأرثوذكسيّة يُظهر لنا شيئاً من هذا القبيل: فزعامة آل المرّ في المتن الشماليّ انزاحت انزياحاً ملحوظاً بعد محاولة اغتيال الياس المرّ. أمّا زعامة عصام فارس في عكّار فتبخّرت، بينما فاز مرشّح “القوّات اللبنانيّة” في الانتخابات الفرعيّة في الكورة مُلحقاً الهزيمة بمرشّح القوميّين السوريّين والشيوعيّين والمردة.

هذا لا يلغي وقائع جزئيّة مضادّة منها أنّ العونيّة، في عدائها المرّ لـ”القوّات”، استحضرت شيئاً من الحساسيّة الأرثوذكسيّة القديمة حيال الموارنة. بيد أنّ الحساسيّة هذه أعيد تدويرها في القوّة التي استحضرتْها، أي في العونيّة نفسها، والتي هي أيضاً، وفي التحليل الأخير، مارونيّة.

والشيء نفسه يمكن قوله في ما أنتجه دور التكفيريّين في سوريّا، أو العزف على وتر “حلف الأقليّات”. فهذه المشاعر التي عُبّئت ليست، أوّلاً، مناهضة للموارنة، ثمّ إنّها، ثانياً، لا تُصرف في مسألة تحظى باستقلاليّتها البعيدة كزيارة الراعي إلى “الأراضي المقدّسة”.

إنّ الممانعين، هنا أيضاً، ينتظرون بيضةً من ديك.

السابق
ابو غيدا استجوب عمر فستق
التالي
تفجير ذخائر في محيط بلدة زوطر الغربية