’الجماعة الإسلامية’ إلى أين؟

اكتفت قيادة «الجماعة الإسلامية» بإقامة احتفالات مناطقية شعبية في الذكرى الخمسين لتأسيسها الرسمي (1964)، مع أنها انطلقت في العمل السياسي والديني قبل هذا العام بسنوات طويلة، ولم تُعرف الأسباب الحقيقية وراء عدم إقامة الجماعة احتفالاً مركزياً بذكرى تأسيسها في بيروت رغم ما لها من حضور شعبي وتنظيمي وسياسي في العاصمة.
لكن بغض النظر عن إحياء الجماعة ذكرى انطلاقتها الرسمية في بيروت، فإن السؤال الذي يطرح اليوم داخل الجماعة وفي الأوساط الإسلامية القريبة منها هو: أي مسار سياسي وشعبي وتنظيمي ستتخذه الجماعة في المرحلة المقبلة في ظل التحديات الداخلية والخارجية التي تواجهها؟ مع الأخذ بعين الاعتبار تطورات عدة تواجهها الجماعة اليوم ومنها: الانتكاسات الكبيرة التي تعرّض لها تنظيم «الإخوان المسلمين» في مصر، وبعد وضع هذا التنظيم على لائحة الإرهاب السعودية وهي الدولة التي احتضنت قيادات الإخوان طيلة سنوات طويلة، وفي ظل فشل «الثورة السورية» التي لقيت دعماً كبيراً من «الجماعة الإسلامية» و«الإخوان المسلمين» وأدى الموقف منها الى خلاف شديد بين «الجماعة» وكل من «حزب الله» وإيران، وأخيراً في ظل العلاقة المتوترة بين «الجماعة» وتيار «المستقبل» وقوى «14 آذار» بسبب الموقف من التطورات المصرية ودعم هذه القوى للحكم الجديد في مصر، مع أن «الجماعة» ارتبطت بعلاقة قوية مع «المستقبل» وقوى «14 آذار» على حساب العلاقة مع «حزب الله» وقوى «8 آذار»، ولا سيما بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
كما تواجه «الجماعة» تحدياً كبيراً من داخل البيت الإسلامي مع تنامي التيارات السلفية في الساحة الإسلامية، وعدم قدرة الجماعة على اعتماد الخطاب المتشدد الذي تتبناه هذه التيارات، ما يضع «الجماعة» أمام مشكلة مع الشارع الذي تنشط داخله.
نجحت «الجماعة الإسلامية» طيلة السنوات الخمسين الماضية في الحفاظ على قوّتها الشعبية والتنظيمية، رغم كثرة الانشقاقات التي تعرضت لها وخروج العديد من القيادات والكوادر من بين صفوفها. كما أن الجماعة حافظت على مواقفها الوسطية والوحدوية وعلاقاتها الجيدة مع بقية الحركات الإسلامية، ولا سيما «حزب الله» والأطراف الشيعية الاخرى، ولم تنجر لمعارك مذهبية حادة رغم بروز بعض الأصوات والقيادات فيها التي تتبنى خطاباً تحريضياً ضد «حزب الله» وإيران.
كما أن «الجماعة الإسلامية» أطلقت في السنوات العشر الماضية، وخصوصا بعد أحداث 11 أيلول 2001 وأحداث مخيم نهر البارد 2007، العديد من المبادرات الإسلامية لتصحيح الخطاب الإسلامي وتقديم صورة إيجابية عن دور القوى الإسلامية والدعوة لتبني الميثاق الإسلامي الوحدوي، كما شاركت في العديد من المؤتمرات والاتحادات والمبادرات لدعم الوحدة الإسلامية والمقاومة في لبنان وفلسطين والدفاع عن القدس وتنظيم الوضع الإسلامي في الساحة السنية، وهي تعتبر من القوى المؤثرة داخل «هيئة علماء المسلمين» التي تضم 300 عالم سني من مختلف الاتجاهات، وتشارك أيضاً بفاعلية في نشاطات «ملتقى الأديان والثقافات للتنمية والحوار» الذي يرأسه السيد علي فضل الله.
لكن رغم هذه الحيوية للجماعة وكوادرها، فإنها تفتقد اليوم الدور السياسي الفاعل في الساحة اللبنانية، وقد اضطرت في الانتخابات النيابية الماضية لتقديم تنازلات كبيرة لتيار «المستقبل» للحصول على مقعد نيابي واحد في بيروت، في حين انها في العام 1992، في ظل وجود الدور السوري الفاعل، نجحت بإيصال 3 نواب في الشمال وبيروت من خلال تحالفها مع القوى الإسلامية.
إذاً «الجماعة الإسلامية» اليوم أمام تحد كبير في تحديد المسار الذي ستعتمده في المرحلة المقبلة، وهل ستظل تراهن على التطورات السورية والمصرية لتفعيل دورها، وكذلك بشأن علاقاتها مع تيار «المستقبل» و«حزب الله» وإيران والسعودية في ظل الخلافات مع هذه القوى، إما بسبب الأحداث السورية أو بسبب التطورات المصرية والموقف من «الإخوان المسلمين».
هي مسؤولية كبيرة أمام قيادة الجماعة اليوم في إعادة تفعيل الدور والحضور وتحديد الخيارات السياسية المستقبلية، فبعد خمسين عاماً من الانطلاقة، قد تكون الجماعة بحاجة لإعادة تقييم شامل للأداء والدور.

السابق
مكاري: الفراغ الرئاسي مسؤولية المسيحيين والخارج مهتم بالأمن لا الانتخابات
التالي
سلام: كيري في بيروت اليوم ليحض على انتخاب الرئيس