الأسد: النهاية أقرب من تجديد الولاية

بشار الاسد
هناك قناعة دولية تتلاقى مع الإرادة الشعبية تترسخ اليوم، ومفادها أن لا سبيل لولادة حل سياسي قابل للحياة في سوريا إلا بعد تعديل موازين القوى مرة جديدة، على اعتبار أن الواقع الميداني للنظام لم يكن ليتحسن لولا أن بالغ حلفاؤه في دعمه، مقابل مبالغة "أصدقاء الشعب السوري" في خنق الثوار، ومنع السلاح عنهم، بحجة وجود جماعات متطرفة يمكن أن يقع السلاح تحت أيديها.

مرت الثورة السورية خلال أكثر من ثلاثة أعوام من عمرها بمراحل ومتغيرات. كان ثمة اجماع دولي – بما في ذلك روسيا وإيران – أنه لابد من حدوث انتقال للسطة في سوريا. الروس والأميركيون تفاهموا على ذلك في مؤتمر “جنيف 1″، الإيرانيون طرحوا رأس بشار الأسد على الطاولة، ووصل بهم المقام إلى مفاوضة “الإخوان المسلمين” على تشكيل حكومة انتقالية يشاركون فيها، مقابل أن تحفظ إيران مصالحها في سوريا. دول “أصدقاء سوريا” طرحوا أن تكون نهاية ولاية بشار بداية انتقال السلطة، وسموا فاروق الشرع لقيادة هذه الفترة ثم مناف طلاس ورياض حجاب وآخرون. ليس في ذلك كشف لأسرار؛ فهذه الوقائع لم يمض عليها أكثر من سنة أو سنة ونيف من الآن.

إذاً قام الحل السياسي في سوريا على هذا الأساس، وقد أبدى النظام السوري وحلفاؤه مرونة مع هذه الطروحات، إلى أن اتخذت إيران قراراً استراتيجياً بأنه لا بد من بقاء الأسد، لأنها استنتجت أن لا مجال لحفظ مصالحها في سوريا وفي المنطقة إلا ببقائه، عندها أعلن السيد نصر الله أن “لسوريا في المنطقة والعالم أصدقاء حقيقيين لن يسمحوا أن تسقط” (30/4/2013)، ما أعطى إشارة توسيع تدخل “حزب الله” والميليشات العراقية نشاطها العسكري… فسقطت القصير، ومن ثم القلمون، وعزز جيش النظام السوري من حضوره في أكثر من منطقة، ولا سيما في الجبهة الجنوبية لدمشق، وفي عدد من المحافظات السورية الأخرى.

وقد سمح هذا الواقع للنظام وأنصاره أن يعلنوا انتصارهم (أعلن النظام السوري انتصاره على “الإرهابيين” ونهاية الأزمة مرات عديدة خلال الثورة السورية)، وأن يتحدّوا الإرادة الشعبية وإرادة الحل السياسي الدولية، من خلال تمديد بشار الأسد لنفسه ولاية جديدة فيما يسميه انتخابات.
من جهة أخرى فإنه لا يخفى أن بقاء توازن القوى في سوريا يعجب “إسرائيل” وجميع القوى المؤيدة لها في العالم، باعتباره الواقع الأمثل الذي يتيح تهتك سوريا؛ دولة وجيشاً وشعباً ومؤسسات وهو الذي يسمح باستنزاف خصومها المختلفين في كل فريق (القاعدة – حزب الله)، ولا يخفى أيضاً أن الإدارة الأميركية تأثرت لفترة غير قليلة بهذه النظرية، فاكتفت بالكلام، تاركةً الشعب السوري لمصيره.
غير أن مبالغة بشار الأسد في التحدي، وتوهمه القدرة على الحسم، وتحول سوريا إلى جنة للتطرف -الذي يغذيه النظام بشكل مباشر أو غير مباشر – عطّل الرهان على حل سلمي جاد، أو الرهان على بقاء المعادلة كما هي، وخوّف العالم من تحول سوريا أفغانستان جديدة، وقد كان هذا الواقع واضحاً في خطاب أوباما يوم الأربعاء الماضي، لجهة إعلان عزمه دعم معارضين غير متطرفين في مواجهة إرهاب النظام، لأن في ذلك مصلحة لأميركا والغرب.

وعليه فإن قناعة دولية تتلاقى مع الإرادة الشعبية تترسخ اليوم، ومفادها أن لا سبيل لولادة حل سياسي قابل للحياة في سوريا إلا بعد تعديل موازين القوى مرة جديدة، على اعتبار أن الواقع الميداني للنظام لم يكن ليتحسن لولا أن بالغ حلفاؤه في دعمه، مقابل مبالغة “أصدقاء الشعب السوري” في خنق الثوار، ومنع السلاح عنهم، بحجة وجود جماعات متطرفة يمكن أن يقع السلاح تحت أيديها.

واستناداً إلى ما سبق فقد بدأ المجتمع الدولي برفع منسوب اعترافه بـ”الائتلاف الوطني”، مبدياً تفهماً أكبر لحاجته إلى السلاح، انطلاقاً من أن السياسة الدولية لا يمكن أن تسمح لبشار الأسد أن يرسم المشهد السوري، وإنما تقتضي المصالح الدولية الآن أن يبقى الوضع معلقاً في سوريا إلى أن يتأكد المجتمع الدولي من وجود البديل المقبول، والقابل للحياة بعد سقوط النظام السوري.
على هذا الأساس كان استقبال الرئيس الأمريكي لرئيس “الائتلاف السوري” المعارض، وإقفال سفارة النظام في واشنطن، وتسليمها في عمان إلى “الائتلاف الوطني”، وهي سلسلة يتوقع أن تزداد في الأسابيع القليلة القادمة، مع زيادة تسليح كتائب محددة من “الجيش الحر”، وكسر تفوق النظام في الجو والمدرعات، من خلال مد الثوار بمضادات لها (وصلت دفعات محدودة من الصواريخ المضادة للطائرات؛ فرنسية الصنع إلى ثوار في إدلب ودرعا، ويتوقع أن تلعب الأردن وتركيا دوراً كبيراً في تمرير هذا السلاح)، وذلك لإعادة التوازن إلى مجراه.
بهذا المعنى يكون إعلان بشار الأسد تمسكه بولاية جديدة؛ لحظة تحول؛ ظاهرها قوة له، وباطنها بداية مرحلة جديدة ليست لصالحه. أما الجانب السلبي لهذا التغير؛ فهو مد عمر الصراع في سوريا مرحلة جديدة يدفع الشعب السوري المسكين ثمنها.

السابق
روحاني: یتوهمون أنهم یحملون همّ دین الناس وآخرتهم وهم لا یفقهون شیئاً
التالي
مصر وسوريا ولبنان وليبيا والعراق: حكم جنرال… الحرب اﻷهلية