مصر والعرش

لم يكن ترشح المشير «عبدالفتاح السيسي» للرئاسة المصرية من الأمور التي يمكن أن يمر عليها المهتم بالشأن المصري مرورا عابرا ودون أن يتوقف عندها ويتفحص الأمر بدقة.
في داخلي يقين بأن «السيسي» لم يدر في خلده قط، أمر الترشح للرئاسة، وحينما حرر بلاده من قبضة «الاخوان» واستجاب لأكبر ثورة شعبية عرفها التاريخ وحمل روحه على كفه ووضع نفسه في مرمى القناص، لم يكن يفعل ذلك وهو مبطن أمر الترشح، بل كان يفعل ذلك من أجل البلاد التي هو قادر على حمايتها ونقلها من حالة الى حالة أخرى ليس له فيها دور ولا نصيب، وربما كان يخطط لأن يبقى رمزا في ذاكرات المصريين وفي قلوبهم، ولكن ثمة ما اجبره على خوض تجربة الترشح.

إلى جانب الضغط الشعبي الذي أقض مضجع «السيسي» مطالبا إياه بالترشح وقيادة البلاد، ثمة امور وحسابات أخرى واقعية أجبرته على الترشح.

لو تفحصنا الوجوه السياسية المصرية المحتملة للترشح الرئاسي وأقربها بالطبع الوجوه التي خاضت التجربة السابقة وأبرزها «أبوالفتوح» و«حمدين صباحي» و«أحمد شفيق»، فسنرى أن الأوفر حظا هو «أحمد شفيق» الذي وصل الى المرحلة النهائية، ولكن حسابات 2014 لا تتطابق مع حسابات 2012 و«شفيق» عاش في الظل تقريبا خلال هاتين السنتين، ثم إن «صباحي» كان حقق مركزا متقدما في تلك الانتخابات، وبالتالي فإن ما نستنتجه من ذلك، هو لو أن المنافسة بقيت بين «شفيق» و«صباحي» كتيار مدني، فإن هذا الوضع سوف يفتح الباب واسعا لـ «أبوالفتوح» والذي سيدعمه «الإخوان» بكل تأكيد ومعهم التيارات الدينية الأخرى، ما يهيئ له فرص الفوز وليعود الإخوان المسلمون من جديد باسم جديد.

وهذه فرضية قابلة جدا للتحقق وبالتالي تدخل مصر من جديد نفقا مظلما من الصعب الخروج منه هذه المرة.

أما إذا ما انحصرت المنافسة في «صباحي» و«شفيق» فاحتمالات فوز «صباحي» واردة وبقوة أيضا، ووجود «صباحي» على مقعد الرئاسة المصرية لن يكون خيرا من وجود الاخوان فيه، فـ «صباحي» ذو وجه سياسي لا يسعد، وماض سياسي لا يسر وبالذات علاقاته برموز الديكتاتورية العربية، وهذا ما سيجعل مصر تحت رئاسته في وضع حرج وعلاقات مضعضعة مع محيطها.

ونتيجة لذلك كله، لم يجد «السيسي» بدا مما ليس منه بد وهو الترشح للرئاسة من أجل مصر لا من أجل عرشها.

السابق
حزب الله وحيدا في بنت جبيل… بلا حلفائه حتّى
التالي
وزير المالية وقّع الحوالة المخصّصة لمستشفى رفيق الحريري