هكذا انتصر النبيل ميشال سليمان

ميشال سليمان
ما فعله الرئيس سليمان في رئاسة منزوعة القدرة، ذهابه نحو العناوين الاستراتيجية ودخل في منطقة غير قابلة للمساومة في العلاقة مع حزب الله، وكان لافتاً في اصراره على انه لا بد للدولة كي تستمر وتتقدم ان تستعيد شيئاً جوهرياً سلب منها. لذا كان مصرا على ضرورة بتّ الاستراتيجية الدفاعية بحوار وطني لا يستهدف نزع سلاح المقاومة، بل استعادة الدولة لوظيفة وجودية.

في لحظة ما قبل سنوات شعر الرئيس ميشال سليمان ان مسألة سلاح حزب الله تتجاوز إشكالية التوازن السياسي في البلد.. الذي حرص على ان يحافظ عليه في علاقة الرئاسة الاولى مع القوى السياسية المتصارعة خلال ولايته. وادرك ان هذا السلاح تحول من كونه مشكلة سياسية بين وظيفة المقاومة، ضد الاحتلال من جهة، ومن جهة ثانية بين دور ومرجعية هذا السلاح في الداخل اللبناني. ليتحول لاحقاً الى مشكلة الدولة في لبنان. اذ ان هناك منطقة فراغ في الجغرافيا والامن وفي القرار العسكري لا تستطيع الدولة الدخول عليها ولا المسّ بها. وهو ما يتنافى مع بديهيات السيادة وتعريفها. فلا وجود لسلطة فوق سلطة الدولة، او توازيها، كما لا وجود لسلطة تمارس مهمة من مهام الدولة بالاستقلال عن هذه الدولة.

من هنا لم تكن نظرة الرئيس ميشال سليمان الى مفهوم السيادة منطلقة من موقف الغائي او سلبي ضد المقاومة وسلاحها في مواجهة العدو، بل انطلق من معضلة تخلي الدولة عن ابرز مهمة من مهماتها، اي الامن. هذا باعتبار ان غاية الدولة وهدفها هو أمن الفرد او المواطن. وكان يدرك، من موقع المسؤول، أن استقالة الدولة من وظيفتها ينشىء خللاً في العلاقة التعاقدية بين المواطن وسلطة الدولة. فإذا كانت الاخيرة عاجزة او متخلية عن احدى وظائفها الرئيسة فذلك سينعكس بالضرورة على خضوع المواطن لها بسبب عدم التزام الدولة بواجباتها تجاهه.

في تجربة الرئيس سليمان الرئاسية لمس ان الرئاسة الاولى بعد “الطائف” تكمن قدرتها الفعلية في التعطيل وليس في قدرة فعل الانجاز. ذلك ان معضلة السلطة في لبنان انها مقسمة تقسيما يعطلها.. رغم انه تقسيم كانت غايته منعها من ان تتضخم وتستبد،. لكن الوقائع اظهرت في تجربة ما بعد اتفاق الطائف ان تقسيم السلطة عطّل الدولة اي نزع منها القدرة.

ما فعله الرئيس سليمان في رئاسة منزوعة القدرة، ذهابه نحو العناوين الاستراتيجية ودخل في منطقة غير قابلة للمساومة في العلاقة مع حزب الله، وكان لافتاً في اصراره على انه لا بد للدولة كي تستمر وتتقدم ان تستعيد شيئاً جوهرياً سلب منها. لذا كان مصرا على ضرورة بتّ الاستراتيجية الدفاعية بحوار وطني لا يستهدف نزع سلاح المقاومة، بل استعادة الدولة لوظيفة وجودية. وكان مقتنعا ان مسار الوطن والدولة لن يستقيم بعبارات هشّة لا علاقة لها بالدولة، ولا الترتيب المزيف لثلاثية الجيش والشعب والمقاومة. فتميز الرئيس سليمان بهذه الوقفة التي فيها نوع من الثبات والصلابة، ومعركته في هذا السياق لم تكن معركة انهاء حزب الله، بل فعل تقييمي لمشكلات واقعية لتعود وتسلك في مسار الدولة.

وعندما كشف حزب الله عن تدخله في سورية قائلا للجميع انه احدى الجبهات الايرانية الاقليمية في بلاد الشام، متجاوزا لبنانيته وضاربا بعرض الحائط بالشروط الوطنية، فهو كان اول من كسر “المعادلة الخشبية” التي اعلن سليمان لاحقا عن كسرها ليس الا. ويجب ملاحظة ان معركة الرئيس سليمان السياسية مع حزب الله هي المعركة الوحيدة التي تميزت بأنها معركة ليست طائفية ولا شخصية.. بخلاف الآخرين الذين اصطدموا سياسيا بحزب الله على المستوى اللبناني، دون ان يستطيعوا نزع الشبهة الطائفية او المذهبية عن هذه المواجهة.

ميشال سليمان من هذه الزاوية مارس دوره بالامكانيات المتوفرة، ولعب اللعبة بكامل الادب وعراقة رجل الدولة، وبدبلوماسية ولياقة سياسية. لعب “لعبة النبلاء” مع خصومه ولم يهبط الى “لعبة العبيد” التي مارسها خصومه ضده. لم يهبط الى الشخصي او الطائفي بخلاف خصومه. في لغته وادائه لم يستعمل سليمان العنوان الطائفي والمسيحي، خطابه كان له قدرة الوصول الى الجميع بخلاف الرئاستين الثانية والثالثة، اللتين بقيتا في الممارسة والخطاب مواقع طائفية لم تستطع ان تتحول الى مواقع عامه ومتفوقة على الموقع الطائفي كما هي الرئاسة الاولى في عهد الرئيس سليمان.

صحيح ان ميشال سليمان يغادر الرئاسة الاولى فيما يبقى حزب الله كما هو، لكن الرئيس ميشال سليمان، في لعبة الرموز التي يفهمها حزب الله، حقق مكسبا كبيرا بممارسة مسؤوليته بوصفه مدافعا عن السيادة والدستور وبالتالي هو ادى دوره بأمانة. انتصر معنويا لأنه استقوى بالدستور واستند اليه.

هنا يكمن المعنى العميق للفراغ الذي تدفع اليه الرئاسة الاولى اليوم، وهو: الدستور لا قيمة له، والحياة السياسية في لبنان تدار من خارج النصوص الدستورية ومن خارج بنود العقد الاجتماعي الذي قامت عليه الدولة، بل تدار بموازين القوة. التعوّد على الفراغ هدفه تثبيت، في وعي المواطن، ان الحياة الوطنية تدار بشروط قوى الامر الواقع وليس وفق الدستور.

السابق
رابطة موظفي الادارة العامة دعت الى الاضراب والاعتصام في 26 و27 الجاري
التالي
البطرك رفض عرض حزب الله: عون لسنتين.. ويطلق مبادرة الاثنين