الحب لشخصين في آن واحد.. معقول؟

رغم الاعتقاد السائد بعدم قدرة الفرد على أن يحب شخصيَن بنفس القوة والصدق، إلا أن هذا الأمر ممكن الحدوث، وتتحكم به سيكولوجية المحب وتاريخه التربوي وحاجاته العاطفية والنفسية، كما تحدد نوع الحب الذي يحمله لشريك أو أكثر. ذلك أن الحب ليس واحدًا في النمط والحالة لأنه عاطفة مركّبة من مشاعر يختلف وصفها باختلاف معانيها وحدّتها كالهوى والغرام والشغف والعشق والوجد والشجن والولَه إلخ.. وفي كل حالة يبحث الفرد عمّا ينقصه وعن إشباع ما يحتاجه عاطفيًا، معنويًا، نفسيًا أو جنسيًا.

للحب مستويات.. لو توافرت جمعاء لكانت العلاقة مثالية

أعطى العلم مستويات عديدة للحب هي: الجسدي والروحي والعقلي والنفسي والمعنوي، معتبرًا أن الحب الأمثل هو الذي يتأمن فيه إشباع هذه المستويات الخمسة. لكن الأمر يتطلب أن يتمتع الشريك بالمعرفة السيكولوجية المعمقة التي تمكّنه من إشباع مختلف حاجات شريكه وحاجاته الخاصة في العلاقة. أما أي نقص في أي مستوى فيولد الحاجة إلى البحث عن شريك ثانٍ،وفيتهيّأ للفرد أنه يحب اثنَين في وقت واحد. لذلك نجد أزواجًا يتفاهمون جنسيًا ويختلفون عقليًا وروحيًا، وآخرين متفاهمين عقليًا ونفسيًا ومختلفين جنسيًا، ما يدفع بأحد الطرفَين إلى البحث عن طرف ثالث يشبع حاجته الناقصة ويؤمّن له الاكتفاء.

 الجوع العاطفي أو الوجداني أو النفسي يدفع إلى حب شخصَين

ما يعني أن أسباب حب شخصَين تعود بمجملها إلى الطفولة غير المكتفية عاطفيًا بسبب معاناة الفرد الحرمان العاطفي الأمومي بشكل أو بآخر لا سيما في المرحلة الأوديبية، أو افتقاده إلى الدفء العائلي العاطفي، ما يمنعه من تحقيق النضج الوجداني والاستقرار العاطفي، فينشأ أسير حاجة طبيعية وضرورية لنموه النفسي وهي أن يشعر بأنه محبوب، ويتولّد بالتالي في داخله ما يُسمّى بالجوع العاطفي أو الوجداني أو النفسي الذي سيدفعه، لاحقًا، إلى البحث عن المحبة والعطف والحنان أكثر من بحثه عن الحب، حتى إذا وجد ضالته أفرط بطلب المزيد الذي لا يستطيع شريك واحد تأمينه، فيلجأ إلى شريك ثانٍ لإشباع حاجاته.

هل هو فعلاً يحب الإثنَين معًا أم يحب نفسه فيهما؟

في هكذا وضع، لا يحب الفرد الإثنين معًا بل يحب نفسه فيهما، لأن الحب يقوم على أسس كثيرة أساسية لدوام استمراريته منها الأخذ والعطاء. وبما أنه عاش محرومًا من الحب فهو في بحث دائم عمّن يحبه ويرعاه ويهتم به ويُشبع من خلاله حاجات وجدانية وعاطفية مختلفة. من هنا فهذه العلاقة مبنية على أساس الحاجة النرجسية التي دفعته إلى البحث عن بديل أو بديلَين عاطفيّين يعوّضان عليه خسائره العاطفية ويؤمّنان له الحماية النفسية ويعيدان له الشعور بالأهمية الذاتية والإحساس بالانتماء.

بين صورة الأم والجوع العاطفي النرجسي يلجأ الفرد الى علاقتين

في هكذا حالة يكون الحب وجهًا من أوجه النمط النرجسي، إذ يحب الفرد شخصًا يبحث فيه عن نفسه، أو شخصًا يريده أن يكون صورة طبق الأصل عن نفسه، وأن يكون له نفس اتجاهاته وفهمه للحياة، أو يشبع فيه حاجاته، أو يحب الرجل امرأة معينة لأنها تشبه أمّه، أو الأم التي كان يريدها. أي أنه ينكص، في لاوعيه، إلى الطفولة بحثًا عن صورة لسلوك أمومي مثالي يُترجم بالهدهدة والملامسة والمناغاة والاهتمام والابتسام. من هنا فهذا الجوع العاطفي هو، في عمقه، جوع المثيرات الذي لا يمكن لأحد أن يشبعه إلاّ الأم. لذلك غالبًا ما تكون الزوجة هي البديل عن الأم. وبما أن المحروم يحتاج، في الوقت نفسه، إلى مَن تشبع جوعه الجنسي يلجأ إلى امرأة أخرى. فيكون بالتالي يؤمّن الإشباع العاطفي في علاقة أولى والجنسي في أخرى.

السابق
سرقة المال العام بالوقائع والأرقام
التالي
هيل: لانتخاب رئيس في المهلة المحددة ووفقاً للدستور