لعلّ انشغال الرئيس نبيه بري في هذه الفترة بتفاصيل الاستحقاق الرئاسي “وحرصه” على تأمين النصاب واتمام العملية الانتخابية والاتيان برئيس جمهورية جديد قبل انقضاء المهلة الدستورية، شغلته عن الخوض في أيّ امر آخر. حتى لو كان هذا الامر الآخر هو إعلان رسمي من قبل مسؤول إيراني رفيع المستوى بحجم اللواء يحيى رحيم صفوي، اعتبر أنّ “الجنوب اللبناني هو الحدود الغربية للدولة الإيرانية”.
ما كان الرئيس نبيه بري ليرضى بهذا الكلام حتما. وما كان ليسكت عنه وهو الذي كان خاض تحت شعار استقلال قرار الجنوب حروبا طاحنة، ومن اجل منع تحويل اهل الجنوب الى ورقة مساومة بيد الآخرين دفع بجنوده في معارك دامية، كلّفت الجنوبيين اثمانا باهظة وجراحات لم تدمل بعد، من القتال مع منظمة التحرير ومشتقاتها في مرحلة ما قبل الاحتلال الإسرائيلي وبعده، وصولا الى حرب الاخوة في إقليم التفاح التي هي الأخرى كلفت آلاف الشباب من حركة امل. شباب سقطوا على مذبح استقلال قرار الجنوب. وها هو اليوم النظام الإيراني يعلن بشكل واضح وجلي ولا لبس فيه عن امساكه بورقة الجنوب، وعن تحويل اهل الجنوب الى مجرّد أكياس رمل وظيفتهم الأولى والأخيرة هي الدفاع عن النظام الإيراني ولو على حساب امنهم واستقرارهم ومستقبل أبنائهم.
فإذا ما كان مفهوما صمت الرئيس بري بصفته رئيس مجلس النواب عن ذلك التصريح، فإنّه غير مفهوم هذا الرضوخ والسكوت من نبيه بري بصفته رئيس حركة امل! لا بل من المستهجن والمستغرب عدم توقف حامي قرار الجنوب واستنكاره الشديد والمتوقع.
فإذا كان صفوي هذا قد قال ما قاله وقد اقدم على ما اقدم عليه مستغلا انشغال الرئيس بري بإدارة الاستحقاق الرئاسي ظنا منه أنّ هذا التوقيت سيسمح له بالنفاد بريشه، فبعد انتخاب رئيس سيكون للرئيس بري كلام آخر.. بل سيكون له موقف مزلزل يعبّر حقيقة عن تطلّعات وقناعات بري. وأنا هنا لا أتكهّن ولا أبصّر. فعلى مدخل قريتي الجنوبية يوجد صورة كبيرة جدا للرئيس نبيه بري مكتوب تحتها: “يا ويلكم اذا نفد صبره”.
