عن المرأة الدرزية التي تكره اسرائيل

اجتاحت قوات الاحتلال الاسرائيلية ما يقارب نصف الاراضي اللبنانية في العام 1982، وارتكبت جرائم وحشية بحق المدنيين، ودمرت البلاد في بناها التحتية، وشلَّت اقتصادها، وتوقفت المدارس والجامعات. وحيث ان هذا العدوان طال العاصمة بيروت، وبلدة بعقلين الشوفية، سافرت امل رمزي علم الدين لمتابعة دراستها في بريطانيا، وتخصصت بالقانون الدولي الجنائي، على خلفية الانتهاكات الصارخة التي ارتكبتها اسرائيل بحق اللبنانيين والفلسطينيين من جرائم حرب وجرائم ابادة( مجزرة صبرا وشاتيلا) وجرائم ضد الانسانية، شملت الاعتداء على الاطفال والنساء والمدنيين العُزَّل.
لم تمحي الايام من ذاكرة امل علم الدين ما اصاب اهلها، وابناء وطنها من ويلات على يد اسرائيل، وعايشت في حياتها المهنية العديد من المحاكمات الجنائية الدولية، لاسيما منها التي طالت متهمين بجرائم دولية في قاعات المحكمة الجنائية الدولية، والمحاكم الخاصة، ومنها المحكمة الخاصة بلبنان، التي أُنشأت في اعقاب اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه ابتداءاً من العام 2005، وكتبت علم الدين ابحاث واسعة عن هذه المحاكمات، وشاركت في المرافعات اكثر من مرَّة.
طفحت صفحات الصحف والمجلات العالمية، ومواقع التواصل الالكترونية، بالحديث عن امل علم الدين بعد اعلان خطوبتها رسمياً من نجم هوليود الاول، والحائز على عدة جوائز عالمية – منها الاوسكار- جورج كلوني. وإذا كان كلوني الاشهر عالمياً بين رجال الشاشة، فإن علم الدين حصلت العام الماضي على لقب اكثر المحاميات إثارةً في بريطانيا، وهي بالتالي لم تدخل عالم الشهرة من بوابة الجمال، او من جراء الخطوبة المُدهشة من جورج كلوني، بل كانت تتمتع بمهارات مهنية واسعة اضافة الى ذلك، وقبل تلك.
انتشرت اخبار امل علم الدين، وترافقت مع حملة من التحليلات والتحريات، ووصفتها صحف عديدة ” بالمرأة الدرزية التي تكره دولة اسرائيل ” وهذا التوصيف الواقعي، والذي لم تتنكر له علم الدين، يحمل مجموعة من التأويلات والتفسيرات، وقد تقف خلفه جهات دولية تتربص شراً بالنجمة المُتألقة، وبأقاربها وبألأُمة التي تنتمي اليها. وعلى هذه الخلفية يمكن الحديث عن جانبين اساسيين:
الجانب الاول: هو المُتعلق بالنواحي الشخصية، وبالعادات والتقاليد عند المسلمين الموحدين الدروز، لناحية حرص بعض رجال الدين عدم التزاوج من ابناء الديانات الأُخرى، وهذا الامر تجاوزه الآلاف من ابناء الطائفة، واعترف القضاء المذهبي الدرزي بمفاعيل الزواج المدني الذي يُعقد في الخارج. وعلى سبيل المثال” هناك اكثر من ثلاثماية شاب درزي متزوجون من نساء روسيات ومن جنسيات اوروبية مختلفة. وما تناقله الهواة، او المُصطادون في المياه العكرة، عن حادثة حصلت العام المضي في بلدة بيصور الدرزية مع شاب من عكار الشمالية، كان لها خلفية اخلاقية، تتناول شرف العائلة لناحية الغش والاحتيال الذي مارسه الشاب، وفق ما بينته التحقيقات القضائية، اكثر مما تتعلق بالزواج من شخص لا ينتمي الى الطائفة. رغم ان الفعلة التي حصلت مع الشاب في بيصور كانت مُستنكرة من القيادات الدرزية قاطبةً. وبالتالي فإن زواج علم الدين من كلوني طبيعي وعادي، بل نستطيع القول ان الاجيال الشابة من الدروز تُرحبُ به ترحيباً واسعاً.
الجانب الثاني: وهو المتعلق بالمقاربة السياسية الناتجة عن وصف كُبريات الصحف العالمية لأمل علم الدين ” بالدرزية التي تكره دولة اسرائيل ” فذلك يحمل مؤشرٌ ودلالة وتخوُّف.
المؤشر في كون جرائم اسرائيل، ووحشيتها، لا تُنتسى، فما ارتكبته قوات الاحتلال في بعقلين والجنوب وبيروت وفي المخيمات وفي فلسطين، لا تمحيه الايام، وهو يعيش مع الاطفال حتى النهاية. وعلم الدين التي اجبرتها قوات الاحتلال على النزوح عن بلدها، وقتلت لها اقاربها، وابناء وطنها وامتها، لم تنسى تلك الويلات، ولن تُسامح على هذه الجرائم.
امَّا الدلالة، فهي في كون المرأة الدرزية عربيةٌ، ملتزمة بقضايا امتها الانسانية، وتلك تربيةٌ بيتية يتميزُ بها آل علم الدين، كما معظم العائلات الدرزية. ولا يبدو على امل علم الدين انها اعتبرت هذا الانتماء عامل ضعف، بل هو مصدر قوة، وجورج كلوني لا بد انه يعرف تاريخ المرأة المُتألقة، ويُدرك خلفيات انتمائها.
والتخوُّف: سمةُ الحاقدين الذين شاطوا غيضاً من حصول مرأة عربية على مكانةٍ عالمية مُتقدمة، وهم بالتأكيد قد يلجأون الى الإساءة لعلم الدين، او محاولة إيذائها. وربما يستخدمون شعارات فيها شيء من الافتراء والتجنِّي، إلا ان محاولاتهم مكشوفة، ولا يمكن لمحاولة ايذاء كلوني او علم الدين ان تختبيء خلف تمويهاتٍ سخيفة، كتذكير بعضهم في حادثة بيصور المُدانة.
لا يبدو ان الدروز ممتعضين من امل علم الدين، واهالي بعقلين عبروا عن فرحتهم الكبيرة عندما سمعوا الخبر.

السابق
الساحلي ل”الانباء”: بري صانع حلول وجنبلاط بيضة القبان وحزب الله وراء عون
التالي
أردني يقتل ابنته بعد إسلامها… وشغب إثر خلاف على دفنها