الوضع الامني يخرج عن السيطرة في جرود عرسال

طغى اليوم الأمني البقاعي على ما عداه من اهتمامات بما فيها الدورة الثانية لانتخاب رئيس جديد للبلاد في مشهدٍ أعاد طرح الاشكالية التي طالما تحكمت بالمسارات اللبنانية وهي ما إذا كان الأمن يأتي قبل السياسة أم أنّ السياسة هي التي تأتي قبل الأمن ، خصوصًا أنّ التطورات الأمنية في عرسال لم تفاجئ أحدًا على اعتبار أنّها كانت من ضمن المحاذير وفي دائرة المتابعة اللصيقة من قبل القوى الامنية والجيش اللبناني. بيد أنّ التقارير الواردة إلى أجهزة المخابرات توقعت مثل هذه الأحداث في ظلّ فشل المساعي للملمة وضع النازحين السوريين عمومًا والمسلحين الفارين من الجبهات السورية بشكل خاص.

الكمين المسلح الذي أدّى إلى جرج ثمانية عسكريين وتزامن مع انعقاد مجلس النواب كانت قد حذرت منه التقارير الأخيرة ووضعته في خانة الأحداث الخطيرة المرتقبة يعود بأسبابه إلى فشل المسلحين في تحقيق أيّ خرق ميداني يعيدهم إلى القلمون السورية، ليس لمقاتلة الجيش السوري أو “حزب الله” إنما لفكّ الحصار المضروب عليهم على طرفي الحدود بين سوريا ولبنان هربًا من الظروف القتالية والجغرافية الصعبة التي تؤسس إلى واحدٍ من احتمالين إما الاستسلام وهذا غير وارد في حسابات التكفيريين أو اللجوء إلى أعمال عسكرية وعمليات انتحارية وكمائن مسلحة لفكّ عزلتهم القاتلة، خصوصًا أنّ الجيش السوري ما زال يطاردهم ويعمل ليلا ونهارًا على إيقاع أكبر عدد من الضحايا في صفوفهم من خلال غارات جوية متنقلة ينفذها الطيران الحربي السوري غب الطلب ووفق الحاجة.
إزاء الواقع الميداني المتحكم بعرسال وجرودها، تتخوّف أوساط محلية من انفجار الوضعين الاجتماعي والأمني في ظلّ ضيق الخيارات أمام المسلحين وتقلص هامش الحركة لديهم في ظل اعتقاد بدأ يسود في أوساط قياداتهم بأنّ القيادتين اللبنانية والسورية على تواصل وتنسيق في ما يختص الوضع الامني على جانبي الحدود، وما الغارات التي نفذها الطيران الحربي السوري على مراكز المسلحين في الجرود الفاصلة بالتزامن مع مطاردة الجيش اللبناني لهم سوى صورة  واضحة على هذا التوجه الثابت، خصوصًا أنّ دخول لبنان إلى جانب سوريا على خط محاربة الارهاب بات من الثوابت غير القابلة للبحث أو المقايضة في ظلّ حاجة البلدين إلى تأمين خلفيتهما الأمنية بعد موجة الارهاب العنيفة التي تضربهما على حد سواء.
غير أنّ علامة الاستفهام المطروحة بقوة  في الوسطين السياسي والأمني تتمحور حول ما إذا كان توقيت الأحداث الأمنية مرتبطًا بالاستحقاق الرئاسي أو أنه مجرّد صدفة مع ترجيح الاحتمال الثاني، سيما أنّ الوضع قائم منذ حوالي الشهر من دون متغيّرات دراماتيكية، أي أنّ الأمور محكومة بسلسلة من العوامل الخارجية والاقليمية المؤثرة بحيث تكمن المخاوف من ان تكون جبهة عرسال قد فتحت فعلا ولم تعد قابلة لاستقبال أيّ خطة أمنية في ظل غياب المرجعية السياسية الداخلية القادرة على ضبط الإيقاع.
في هذا الوقت، تطرح الأوساط عينها الاشكالية الناشئة عن احتضان تيار “المستقبل” للقاعدة الشعبية في عرسال وما إذا كان التيار الازرق يمون على المسلحين أو أنه تحوّل إلى مجرد أداة بين أيدي المسلحين، وهم بمعظمهم من جنسيات غير لبنانية وغير معروفة الانتماء السياسي أو العسكري خصوصًا أنّ المعلومات تتحدث عن مجموعات مسلحة غير منضبطة لم يعد لديها شي لتخسره ما يعني أنّها على استعداد كامل للقيام بأيّ من الأعمال في ظل فشل مفاوضات سرية دارت منذ مدة بين مرجعيات لبنانية فاعلة واقليمية نافذة لسحب هؤلاء المسلحين واعادتهم من حيث أتوا باشراف لبناني اقليمي مشترك لعدة أسباب أبرزها رفض الدول العربية ودولهم الام لاحتضانهم من جديد باعتبارهم تشربوا الفكر التكفيري الذي يشكل خطرا محدقا على انظمة الدول المعنية.

السابق
ذكرى الجبهة الشعبية في برج الشمالي
التالي
حزب الله يرشّح فرنجية لمواجهة جعجع