إيليا بربور آخر مصنّعي المراكب الخشبية في صور

تشهد يدا إيليا بربور (85 عاماً) على أكثر من سبعين سنة أمضاها في تطويع الخشب والتفنن في صناعة أشكال مختلفة من المراكب الخشبية التي تحاكي عهداً تتربع على مجده مدينة صور.

إيليا بربور، ابن الحرفي مارون بربور، كسب مهنة صناعة المراكب الخشبية من والده وأعمامه وأورثها إلى بعض أبنائه الذين باتوا يخشون اندثارها.
إيليا «تقاعد» عن العمل، من دون أن يتقاعد يوماً واحداً عن زيارة مصنعه الصغير على ضفة ميناء الصيادين في الحارة الشمالية لمدينة صور، بالرغم من حالته الصحية. في سجلاته كمٌ هائل من أوجاع المهنة ومراحل ازدهارها وتراجعها، وحكايا عن إنجازات من بينها صناعة مركب فينيقي في العام ألفين، لمصلحة أحد المستثمرين اللبنانيين في الأردن، يتقدمه رأس حصان من الأمام، وذيل سمكة من الخلف، ومركب آخر مماثل شارك في معرض في مدينة لشبونة الإسبانية، كانت طلبته وزارة السياحة اللبنانية. ذانك المركبان يعتبران من روائع صناعة المراكب الفينيقية، التي كانت رائجة قبل أكثر من ثلاثة آلاف سنة في صور.
يمر بربور بكلمات قليلة ومقتضبة على صناعة المراكب، بعدما تعب جسده وذاكرته وأصبحا في ضفة أخرى من العمر، محاولاً سرد عمله الشاق ومراحل تطور المهنة وانتقالها من العمل اليدوي المضني إلى مرحلة الفبارك وتقويس الخشب وكبسه.
صنع ايليا بربور مع أولاده معظم المراكب العاملة حاليا في ميناء الصيادين في صور، وأعدادا أخرى من المراكب في مرافئ لبنانية، عددها بالمئات. لكن مهنة صناعة المراكب التي بات ينفرد بربور وأولاده في إنتاجها في صور، بعدما عمل إلى سنوات خلت إلى جانبهم ابن مدينتهم أمين عكنان وأولاده، أصبحت تواجه خطراً محكماً ليس بسبب عدم الطلب عليها وحاجتها فحسب، بل نتيجة عدم قدرة الصيادين على ابتياع مراكب الصيد والرحلات التي تبدأ أسعارها بثلاثة آلاف، وصولاً إلى أكثر من عشرة آلاف دولار، في ظل تراجع الصيد والثروة السمكية.
للعم إيليا بربور شقيقان يعملان في صناعة المراكب الخشبية في قبرص، توفي أحدهما مؤخراً، والتحق ابنه مارون بهما قبل أكثر من عشر سنوات للعمل هناك، على اثر تراجع مهنة صناعة المراكب في صور، بينما بقي عدد آخر من أبنائه يواصلون العمل في محل العائلة وصيانة مراكب الصيادين.
جورج الذي تتلمذ على يدي والده إيليا في صناعة المراكب، هو الآخر يكاد يصل الأمر به لتدبير عمل آخر في ضوء التراجع المستمر في الإقبال على المراكب الجديدة، على خلفية كلفتها العالية لا سيما مادة الخشب من جهة وتدهور إنتاج الصيادين من السمك.
يعمل جورج في الوقت الحالي على تصنيع مركبين في باحة مرفأ الصيادين، بعد انقطاع فترة طويلة من عدم طلب أي مركب، لكنه يقول «إن اصحاب المركبين ليسا من الصيادين، فقد أوصى عليهما شخصان يعملان في افريقيا، لان أوضاع الصيادين لا يحسدون عليها».

السابق
بيئتنا بين الجمال العتيق والتشويه العميق
التالي
خريس: اسرائيل لا تفهم إلا لغة المقاومة والتصدي