تحسّس قلمك يا ابراهيم الأمين

ابراهيم الأمين
إنطلاقا من قناعتك هذه بأنّ المحكمة "صهيونية" فأقلّ الواجب أن ترفض المثول أمامها. هي التي تفتقد، بنظركَ، إلى المصداقية، وتنفّذ مخطّطا أميركيا في لبنان والمنطقة. ومن تستقوي بهم قادرون على حمايتك، بالطبع، لمواجهة هذه المحكمة التي وصفها زميلك في المهنة سابقا بأنّها "وصرمايتو سوا". على اﻷقلّ لم يهدّدك أحد بالقتل، بل إنّ الغرامة والسجن هما سقف العقوبة إذا ثبتت عليك التهمة... في هذه الأثناء: هذه ليست محكمة في دولة "ممانعة"... فتحسّس قلمك.

كصحافيّ قد أكون ضدّ أن تستدعي المحكمة الدولية الخاصّة بلبنان صحافيا للمثول أمامها بتهمة “تحقير المحكمة”. أمّا “عرقلة سير العدالة” فنقاش آخر.
بأيّ حال فإنّ اللبنانيين منقسمون حول المحكمة. وهذا المقال ليس معنيا بمناقشة هذا الانقسام.
ربّما من المفيد أن نبدأ المقال بجملة فولتير الشهيرة: “قد لا أتفق معك في الرأي، لكنّني مستعدّ للقتال دفاعا عن حقّك في التعبير عنه”. دفاعا عن حريّة التعبير إذًا.
قبل أيّام صدرت دعوة عن “ممانعين” وجّهوها إلى “الجسم الصحافي والإعلامي” وإلى “الشعب” للتضامن مع ابراهيم الامين وكرمى خيّاط اللذين استدعتهما المحكمة الدولية للمثول أمامها.
نبّهتني تلك الدعوة إلى أنّ ناشر “الاخبار” لم يُشعرنا خلال مسيرته المهنية أنّه في حاجة إلى تضامن من الجسم الاعلامي. وكواحد من أعضاء هذا الجسم شعرت أنّني معنيّ بالردّ على هذه الدعوة.
فابراهيم الأمين لا يؤمن بمفهوم الحريّة أساسا. فقط يؤمن بحريّته في تصنيف البشر وتهديد زملائه ممن ليسوا في خطّه السياسي. تهديد لا يستند إلى قوّة المنطق أو إلى شرعية دستورية أو قانونية، بل يستند دائما إلى تقديس منطق القوّة لا منطق الحرية، وإعلاء قوة القوة لا قوة الحقّ.
هو يتوعّد خصومه في الإعلام والسياسة، ويصنّفهم انطلاقا من أحكام ومعايير يضعها هو، لا الدستور أو القانون. فيشرّع ويهدّد وينفّذ، مستقويا بأجهزة أمنية لا علاقة لها بالحريات الا من باب قمعها والاستهزاء بها.
هذا هو حاله منذ كان اللواء جميل السيّد أداة لتطويع الصحافة وملاحقة أصحاب الاقلام الحرّة والجريئة. وسمير قصير شاهد وشهيد. ولم نسمع أنّ ابراهيم تضامن يوما مع سمير، حتى بعد قتله.
هذا النمط من مدرسة الصحافيين المستقوين بالسلطة وبالسلاح والامن هو ما برع به ناشر “الاخبار” في عمله. فهو من أوّل المسوّقين لصحافة البوق منذ نشأ على أن يكون في خدمة رجل اﻷمن. وهو ممن أسسوا لما وصلنا إليه في الصحافة من مجانية في الكتابة والتحليل استنادا إلى لا شيء.
برع بالتهديد والوعيد. حتّى بات يمكن القول إنّه ليس صحافيا بقدر ما هو رجل إعلامني (من “إعلام” و”أمن”). وهو ليس صحافيا بل يمكن اعتباره مراسلا حربيا في زمن السلم، أو جناحا بروباغنديا لآلة أمنية – عسكرية.
وهو لم يرفّ له جفن حين استهدف رفاقه مؤسسات إعلامية وأحرق زملاء له من العسكر تلفزيونا وأقفلوا جريدة في 7 أيّار 2008. بل لم يرَ في قتل واعتقال وسجن صحافيين واعلاميين سوريين جريمة، ما دام المرتكب هو رأس الممانعة في بلادنا. وسكت على جريمة انتهاك الحريّات وصولا الى اعتبار القتل عملا مبررا ومشروعا، ما دام القتيل او المعتقل او الطريد في المقلب الآخر. ويرى ابراهيم، كما يرى الاعلام الأمني وابواقه، أنّه عدوّ كلّ سياسي أو إعلامي يخالفه في السياسة. فلا كرامة له ولا حقوق مدنية.
ولأن لا علاقة له بثقافة الاختلاف، فإنّ كل مختلف – عدو يجب أن يتحسّس رقبته (كما دعاني ابراهيم يوما طالبا منّي أن أتحسّس رقبتي). وقبل أيام، حين اقتحم مجهولون (معلومون؟) منزلي في بلدتي شقرا، التي هي مسقط رأس ابراهيم، لم يتضامن معي. بل إنّ رفاقا في مدرسته راحوا يكتبون أنّني أنا من “اقتحمت” منزلي. وفوق ذلك هو يعتبر أنّ من يُقتَل من خصومه فهو يقتل في “سياق معركة مفتوحة”. كما كتب غداة اغتيال اللواء وسام الحسن. أما البيوت فهو يعطي لنفسه الحقّ بإصدار الفتاوى، وبأن يصنفها بين “نجِسة” و”طاهرة”.
وهو لا يستقوي لا بالعقل أو المنطق، بل بالقوّة والحلول الأمنية مع المختلفين والمعترضين. هذا لأنّه من مدرسة لا تحتمل وجود رأي آخر. ويعتقد عملياً أنّ التنوع السياسي في المجتمع نقيصة، وأنّ المجتمع السياسي المنقسم إلى فئتين أو أكثر، على واحدة منها أن تلغي ما عداها، وأن تبيد الخصوم.
انطلاقا مما سبق، “عامل في الصحافة” مثل ابراهيم، بعدّة أمنية واستخباراتية، لا يليق بمقامه كـ”فتوّة إعلام” أن يطلب “تضامن” بعض الزملاء معه. كان الأجدر به أن يرفض التضامن معه على قاعدة الحريات، وأن يكون أكثر انسجاما مع نفسه وخلفيته. كان يكفي أن يدعو فريق المحكمة “المتآمر” إلى “أن يبلّ الاستدعاء ويشرب من زومه”. وأن يطلب من مُصدر الاستدعاء أن يتحسّس رقبته.
ولأنّ المحكمة في “أخباره” هي “صناعة أميركية – صهيونية”، فإنّه يمكن أن يتصرّف معها كما يتصرّف “مقاوم” مع “الصهاينة” و”العملاء”.
إنطلاقا من قناعتك هذه بأنّ المحكمة “صهيونية” فأقلّ الواجب أن ترفض المثول أمامها. هي التي تفتقد، بنظركَ، إلى المصداقية، وتنفّذ مخطّطا أميركيا في لبنان والمنطقة.
ومن تستقوي بهم قادرون على حمايتك، بالطبع، لمواجهة هذه المحكمة التي وصفها زميلك في المهنة سابقا بأنّها “وصرمايتو سوا”.
على اﻷقلّ لم يهدّدك أحد بالقتل، بل إنّ الغرامة والسجن هما سقف العقوبة إذا ثبتت عليك التهمة… في هذه الأثناء: هذه ليست محكمة في دولة “ممانعة”… فتحسّس قلمك.

السابق
راوول غارسيا يقود اتلتيكو للاقتراب من اللقب
التالي
الشرق الأوسط :’14 آذار’ لم تحسم مرشحها لجلسة الانتخاب الثانية.. ولا مؤشرات على التوافق