بريتال ـ الطفيل بعد اللبوة ـ عرسال

والآن بعد ان وصلت المساعدات الانسانية والغذائية الى الطفيل، هل يمكن القول ان الدولة عادت اليها؟
على مشارف البلدة “المنسية” حددت الاجهزة الامنية من جيش، وقوى امن، وجهاز امن عام، آخر نقطة لصلاحياتها على بعد 8 كلم من الطفيل، بعد ان واكبت آلياتها وعناصرها قافلة المساعدات الانسانية، على مسافة 12 كلمتر من الاراضي الترابية الوعرة في جرود بلدة بريتال وتحديدا في المنطقة المعروفة برأس الحرف.
العملية التي بقيت تحت أنظار عناصر حزب الله المنتشرين في الجرد، لم تكن لتواجه بأي اعتراضات عملية. رئيس لجنة الارتباط في حزب الله وفيق صفا، أخذ انجاحها على عاتقه. وللحاج صفا كلمته في بريتال التي لقيت مسامعها عند عائلة اسماعيل، الوحيدة التي جاهرت برفضها انتقال موكب المساعدات، طالما ان “ياسر علي غنام اسماعيل” مغيّب في مكان ما في الطفيل، او هو “مخطوف من قبل اسد الخطيب، قائد كتيبة القدسية المعارضة للنظام السوري”،  الذي يقول اشقاء اسماعيل إنه يحتمي في الطفيل بعد معارك رنكوس.
عملياً، نجح التنسيق الأمني ـ الحزبي الذي تولاه وزير الداخلية نهاد المشنوق، في تأمين سلامة قافلة المساعدات التي شقت طريق المهربين الى آخر حدود بريتال. بعد ذلك، “سلمت الدولة رقبتها” مجددا الى قوى الأمر الواقع المسيطرة على الارض، بدءا من رأس الحرف وصولا الى الطفيل. وعلى الرغم من تأكيد الشيخ يوسف الصلح ممثل مفتي بعلبك أن الاجهزة الامنية لا تشارك الفعاليات في اسباب قرارها بعدم التقدم نحو البلدة، فهو كان على تنسيق تام مع اللواء محمد خير امين عام هيئة الاغاثة العليا، وعمل على نقل كامل المعطيات الميدانية إليه، والتي لم يتردد خير في كشف بعضها للصحافيين، عندما طلب منهم عدم التقدم باتجاه الطفيل، كون الطريق الى البلدة محفوفة بالمخاطر الامنية.
تدرك الدولة أن التقدم الأمني باتجاه الطفيل في هذه المرحلة بالذات، قد يقحمها في مواجهة، هي بغنى عنها، مع القوى السورية المسلحة التي “احتمت” بالطفيل بعد معارك القلمون وجرّت اليها حصارا من قبل النظام السوري في محاولته للسيطرة على هذه المنطقة الحدودية. هذا الواقع الميداني الذي يوصف على لسان المواطنين في بريتال، لا ترى مصادر مطلعة انه بحاجة الى الكثير من التمحيص في مدى دقته. فبعد “الخسارة” التي لحقت بمعارضي النظام السوري في القلمون، لم تكن لديهم سوى وجهتين للفرار، اما باتجاه عرسال، او باتجاه الطفيل. والبلدتان المتاخمتان للحدود، تشكلان البيئة الاكثر امانا لاحتواء المعارضين، من دون ان تكونا معنيتين مباشرة بالحرب الدائرة في سوريا، او يكون النظام قادراً على استهدافهما مباشرة كما فعل في باقي المناطق السورية.
في الاساس، بات عدد اللاجئين السوريين في البلدتين يفوق عدد اهلهما اللبنانيين، وهو يوازي ثلاثة اضعاف السكان اللبنانيين، وفقا للتقديرات الامنية. 3000 سوري مقابل الف لبناني في الطفيل بحسب مختارها علي الشوم. الأمر الذي يفاقم من موقف “الخصومة” التي قضت على اعراف علاقات الجوار بين كل من عرسال واللبوة من جهة. والطفيل وبريتال من جهة ثانية.
عرسال والطفيل، كانتا بغنى عن هذا الارتباط مع الداخل اللبناني، لولا سيطرة النظام على جوارهما السوري، والذي جعلهما محاصرتين بين بيئتين غير صديقتين. قبل الازمة الاخيرة، كان ابناء البلدتين يوفرون احتياجاتهم من سوريا. اولادهم يتعلمون هناك. نساؤهم تلدن في مستشفيات سوريا. لا يتداولون سوى العملة السورية. وتحتسب اتصالاتهم مع اي قرية لبنانية، وخصوصا في الطفيل، مكالمة دولية.
لم يكن احد يسجل اعتراضه على هذا الواقع قبل الازمة السورية. ولا حتى ابناء الطفيل وعرسال انفسهم. لكن اليوم مع الحصار الذي فاقمه انخراط حزب الله مباشرة في المعارك الدائرة في سوريا، دفع استفراد عرسال والطفيل، الى دعوة الدولة كي تؤدي واجبها فهي حاميتهما ورعايتهما. والدولة التي يريدونها ليست تلك التي تؤمن لهم صناديق الحبوب والبطانيات على اهمية توفرها. ولا هي التي تدعوهم إلى إخلاء منازلهم، “لتركها للغرباء الذين فرضوا امرا واقعا جديدا في قراهم”. بل هي الدولة “التي نحتاج لان نشعر بحمايتها لنا، وان ترفرف رايتها فوق مؤسساتنا” كما قال المختار علي الشوم. فهل “تفتح الاغاثة الباب أمام عودة الدولة الى طفيل” كما تمنى مفتي بعلبك؟ ام يبقى حضور الدولة الى الطفيل في اطار الضجة الاعلامية المطلوبة لتحقيق المكاسب السياسية، فلا تعرف طريقها الى البلدة او الى اي من القرى الحدودية، سوى عبر معابر المهربين، واذا سمحت لها قوى امر الواقع المسيطرة في الجهتين، بأن يسلكوها؟ وهل تكون بريتال، لبوة أخرى؟
السابق
هل يدفع ’الإخوان المسلمون’ ثمن ’المصالحة’ القطرية السعودية؟
التالي
سجعان قزي:على المحكمة الدولية احقاق الحق بدل ملاحقة الإعلاميين