إيران: ماذا بعد الاتفاق النووي؟

لم يعد السؤال هل توقع إيران ومجموعة الخمسة زائد واحد الاتفاق النهائي المتعلق بنشاطها النووي. السؤال أصبح ماذا بعد التوقيع؟ الرئيس باراك أوباما قال:«انه لن يقبل باتفاق سيئ مع إيران». القيادة الايرانية أي المرشد آية الله علي خامنئي والرئيس حسن روحاني أكدا أنهما لن يتخليا عن حقوق بلدهما النووية. في أي اتفاق بين «خصمين» يتبادلان التنازلات. من الواضح أن إيران ستقدم كل التعهدات المطلوبة للتأكد من «سلمية» مشروعها النووي. التفاصيل في معظمها تقنية ولكنها تصب أساساً في توجه سياسي ينتج انفتاحاً متبادلاً بين طهران والغرب وتحديداً واشنطن. بالتأكيد العقوبات سترفع تدريجيًّا عن ايران وعجلة الاقتصاد الايراني ستعود الى العمل بقوة ونشاط. هذه الانطلاقة الاقتصادية لا تكفي إيران، ما لم تدخل في مسارات تنموية حقيقية، حتى لا تبقى قوة محدودة ذات أحلام كبيرة.

في أساس «الروحانية»، الانفتاح على العالم الخارجي وأولاً على محيطها الجغرافي الحساس المشكل من «جناحيها»، إن أحسنت التعامل معهما، نجحت في «الطيران» وان أساءت وتشددت أصبحا ثقلاً خانقاً عليها.

*الجناح الأول هو دول الخليج العربية وفي طليعتها السعودية وباقي العالم العربي. في صلب هذه العلاقات تعقيدات ناتجة عن تجارب صعبة وأحياناً سيئة ومسيئة، وغياب في الثقة وحذر يصل الى درجة العداء بين الحكومات، وحتى بين الشعوب خصوصاً بعد تصاعد ونمو الخلافات المذهبية التي تعيش أعلى مظاهرها وأسوأها في سوريا.

لا شك أن النوايا والتصريحات الايجابية لم تعد تكفي. يلزم الكثير من المبادرات والأعمال للانطلاق في مسارات منتجة للطرفين. إيران بالذات مدعوة الى العمل بقوة في هذا المجال. يد إيران أصبحت طويلة وقاسية وأحياناً عدائية من اليمن الى سوريا.

بداية تصحيح العلاقات تكون بين إيران والسعودية. باقي العلاقات متممة ومسهّلة ودافعة للتأسيس عليها. حالياً لبنان كما كان دائماً «المختبر» الكامل والمفضل لإنجاح الاختبارات مقدمة للانطلاق منها بقوة نحو باقي «الملاعب».

السؤال هل إيران المنعتقة من قيود العقوبات الغربية والأميركية، والعضو الجديد في النادي النووي السلمي، مستعدة للتعامل مع جيرانها وجاراتها العربية من موقع أخوي تفرضه الجغرافيا والمصالح المشتركة الطويلة الأجل، أم أن «ايران الفارسية» هي التي ستتعامل من موقع الاستقواء المستند الى روايات التاريخ المعقد والأساطير الممتزجة بأسوأ ما أنتجه الماضي من الأحقاد المذهبية؟.

لا شك أن سوريا هي العقدة وهي الحل. انخراط ايران بالحرب في سوريا سواء مباشرة أو بالواسطة (حزب الله والميليشيات الشيعية العراقية وغيرها)، قد «خندق» العلاقات الايرانية العربية، وهدم الكثير من «الجسور» بينهما. السؤال هل يمكن فصل الملف السوري الخلافي عن ملف العلاقات خصوصاً وان إيران خامنئي تعتبر معركة سوريا هي معركة المربع الأخير بالنسبة لها، أو أن مسألة الفصل صعبة الى درجة الاستحالة مما سيلغّم مسار الاعتدال والمصالحة؟

*الجناح الثاني هو الامتداد الجغرافي أيضاً والعرقي في بعض جوانبه، وهو يضم أفغانستان وباكستان وأذربيجان وطاجكستان وغيرها من الجمهوريات الاسلامية في الاتحاد السوفياتي سابقاً.

ايران ليست طارئة على هذا الجناح. من المؤكد أنها عملت بقوة التمدد في أفغانستان لم تعد علاقاتها محصورة «بالهزارة» الشيعة وهي أصبحت قوية لدى الطاجيك والبلوش أي الأغلبية المطلقة للشعب الأفغاني، العلاقات مع أفغانستان ستشبه علاقات ايران مع العراق.

الرئيس روحاني، احتفل في كابول بعيد «النوروز» مع الرؤساء الأفغاني والباكستاني والطاجسكتاني وللدعوة «لقيام» اتحاد اقليمي شامل قائم على سلوك معتدل سياسياً لتحقيق التنمية والتطور والارتقاء بالمستوى المعيشي في المنطقة». وقد اكتمل عقد هذه الدعوة خلال زيارة الرئيس الأذربيجاني لإيران ولقائه المرشد والرئيس معاً.

شهران صعبان ودقيقان يفصلان إيران عن التوقيع النهائي. الخيارات متعددة وحساسة، لا شيء مستحيل حتى «النجاح في السير على حافة السكين»، في وقت تعلمت فيه الادارة الأميركية أن «تذبح بالقطنة على غرار ايران».

السابق
ليس حزب الله من يصنع الرئيس
التالي
معركة الخنادق في بغداد!