في ذكرى الحرب: من حقّنا أن نعرف

في الذكرى الـ39 للحرب الاهلية في لبنان، اختارت لجنة أهالي المخطوفين والمفكرة القانونية أن تذكّرا بالحكم الصادر عن مجلس شورى الدولة الذي كرّس حق أهالي المفقودين في الاطلاع على نتائج التحقيقات التي أجرتها الحكومة اللبنانية

تحت شعار «تحصين البلد من الانزلاق نحو حرب جديدة» عقدت لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين والمفكرة القانونية، أمس، مؤتمراً صحافياً في نقابة الصحافة لعرض حيثيات الحكم الصادر عن مجلس شورى الدولة حول مصير المفقودين.

وكانت الغرفة الأولى في المجلس برئاسة القاضي شكري صادر وعضوية المستشارين فاطمة عويدات وميريه عماطوري قد أصدرت حكماً يكرس للمرة الأولى الحق في الوصول الى المعلومات بشكل عام وحق ذوي المفقودين في معرفة مصير أحبائهم، وقد قضى هذا الحكم بإبطال القرار الضمني الصادر عن رئاسة مجلس الوزراء برفض تسليم ملف التحقيقات التي قامت بها لجنة التحقيق الرسمية للاستقصاء عن مصير جميع المخطوفين والمفقودين لذوي المفقودين وإعلان حقهم في الاستحصال على نسخة عن الملف الكامل عملاً بحق المعرفة. وقد توصل المجلس الى هذه النتيجة بعدما أعلن حقاً أساسياً جديداً هو حق ذوي المفقودين، على أساس أن هذا الحق هو حق طبيعي متفرع عن حقوق الإنسان في الحياة وفي الحياة الكريمة وفي مدفن لائق، وعن حق العائلة في احترام الأسس العائلية وجمع شملها، وعن حق الطفل في الرعاية الأسرية والعاطفية والحياة المستقرة، وهي حقوق كرستها المواثيق والشرائع الدولية التي انضم إليها لبنان، ما يستتبع إعلان حق ذوي المفقودين في الاطلاع على كل التحقيقات لكشف مصيرهم، وأن هذا الحق لا يقبل أي تقييد أو انتقاص أو استثناء إلا بموجب نص صريح، الأمر غير المتوافر في القضية الحاضرة.

المحامي نزار صاغية ذكّر بالمؤتمر الصحافي الذي عقدته لجنة أهالي المفقودين في عام ٢٠٠٩ في حرج بيروت، معلنة تحولاً أساسياً في منهجية عملها، مفاده خيارها باللجوء الى القضاء لانتزاع حقها في المعرفة.
وسأل صاغية: لماذا ترفض رئاسة مجلس الوزراء تسليمنا ملف التحقيقات؟ لماذا ترفض إعلامنا بما لديها من معلومات بشأن مصائر المفقودين؟ وعليها هنا أن تبرر موقفها، ليس بما تيسر لها من اعتبارات سياسية، بل باعتبارات قانونية واضحة. فحتى تقديم الدعاوى، كان المطلب الحقوقي للأهالي يجابه دوماً بممانعة سياسية صرف، ظاهرها إرادة طي صفحة الماضي وصون السلم الأهلي، وعمقها هو المحافظة على سمعة مجرمي الحرب وأمرائها. وأملنا من خلال استحضار الدولة الى المحكمة أن ننتقل من مجابهة عقيمة بين حق الأهالي والإرادة السياسية المنافية لهذا الحق، الى مجابهة يفترض ألا يستخدم فيها إلا سلاح القانون، بمعزل عمّا قد يكون لهذا أو ذاك من اعتبارات أو مصالح سياسية.
ولفت صاغية الى أن هذا الحكم وضع القضاء أمام مسؤولياته الأساسية في حماية حقوق المواطن الأساسية، في اتجاه الموازنة بين مطلب الأهالي ومبررات الدولة، على أساس القانون. فالقضاء هو المرجع الرسمي الوحيد المضطر إلى إصدار الحكم، وذلك بخلاف المراجع السياسية التي بإمكانها أن تجيب أو لا تجيب على المطالب، مهما كانت محقة. كذلك ذكّر صاغية بالقرار الذي اتخذه القضاء المستعجل في بيروت وبعبدا بالقيام بتدابير حمائية للمقابر الجماعية في مناطق عدة، وتعيين خبراء للكشف على المواقع. وتمت إماطة اللثام عن حقائق كثيرة ستتولد عنها قريباً دعاوى أخرى تشمل أماكن أخرى. ويأمل أهالي المفقودين أن يتم إطلاق ورش حقيقية لتحديد هوية الأشخاص المدفونين فيها، اعترافاً منها بحقوق ذوي المفقودين بالمعرفة.
ولفت صاغية الى أن هذا القرار يضع مسؤولية مباشرة على رئاسة الحكومة بتسليم الملف عملاً بمبدأ استقلال القضاء، ومسؤولية معنوية بالمسارعة إلى جلاء مصائر المفقودين، بحيث يكون أي تباطؤ من أي مسؤول مشاركة في تعذيب الأهالي، كما جاء في القرار.
بدورها، طالبت رئيسة لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين وداد حلواني بتنفيذ القرار الصادر عن مجلس شورى الدولة، من خلال تسليم اللجنة نسخة عن ملف التحقيقات، من «دون تقييد أو انتقاص أو استثناء»، ومباشرة مجلس النواب فوراً ومن دون أي تأخير بمناقشة مشروع القانون (الذي سمّيناه مشروع قانون محيي الدين حشيشو، بعدما باتت دعوى خطفه رمزاً للعدالة المنتظرة في قضايا المفقودين) الذي أعددناه لحل قضية المفقودين والمخفيين قسراً، وإقراره بالسرعة الممكنة. وقد تبلّغنا البارحة من النائب غسان مخيبر، خلال الاجتماع الذي دعتنا اليه اللجنة النيابية لحقوق الإنسان، أنه سيقدم هذا المشروع الى المجلس نهار الاثنين في 14 نيسان 2014، بالتشارك مع النائب زياد القادري. وكان هذان النائبان قد شاركانا الرأي في ضرورة إعداد هذا المشروع الكفيل بإنهاء هذا الملف بشكل نهائي وشامل.
كذلك دعت حلواني الى تصديق المعاهدة الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري والمحالة على مجلس النواب منذ عام 2007 وتعديل القوانين اللبنانية ذات الصلة. وطالبت وزير العدل أشرف ريفي بصرف النظر عن مشروع مرسوم الوزير السابق شكيب قرطباوي، المتعلق بتشكيل لجنة وطنية لشؤون المفقودين والمخفيين قسراً، لكونه قاصراً ليس فقط عن تحقيق ما تصبو اليه عائلات هؤلاء الضحايا بل إنه سيساهم في إطالة أمد معاناتهم وإحباطهم، والإسراع ما أمكن في وضع مشروع الاتفاق مع البعثة الدولية للصليب الأحمر بشأن جمع وحفظ العينات الجينية لعائلات المفقودين قيد التنفيذ.
ودعت حلواني الأهالي الى التجاوب مع مندوبي البعثة الدولية للصليب الأحمر، وتقديم المعلومات الصحيحة والدقيقة لملء الاستمارات اللازمة العائدة للشخص المفقود لديهم، لأن هذا الإجراء ضروري جداً للتعرف على هويات الرفات لاحقاً ليصار إلى تسليمها إلى أصحابها.
وتوجه الناشط المدني بول الاشقر بالتحية إلى كل اللبنانيات واللبنانيين دون الـ32 سنة، وهو عمر نضال لجنة الأهالي. وأضاف «عندما تعرفنا إلى مدام حشيشو وأوديت رحمها الله وأم محمد ومريم، فضلاً عن وداد عام 2000، كان قد صار لهؤلاء 18 سنة من النضال… كانت هي وزميلاتها متعبات، وقالوا لنا «حان الوقت لكي يمدّ المجتمع يد العون لمجنونات معبر المتحف…». عندئد تشكلت شبكة مواطنية أطلقت حملة «من حقنا أن نعرف»، واستطاعت الحملة أن تحصل على «هيئة تحقيق رسمية» للمرة الأولى في تاريخ الحرب، وهو أول حفر في ما سمته وداد «جدار الصمت والنسيان».
وأضاف: «بعد مرور 14 سنة على إطلاق الحملة، تدعونا لجنة الأهالي إلى متابعة المشوار معها للحصول على حق ذوي المفقودين البديهي في معرفة مصير أحبائهم. لجنة الأهالي بحاجة إليكم يا شباب لبنان… وأفضل طريق وأقصر طريق وأصح طريق هو إقرار مشروع القانون التي قدمته إلى مجلس النواب. إن هذا المشروع هو صيغة حضارية وعلمية ومواطنية لإقفال ملف الحرب.

السابق
شربل خليل ردّ على موقع ’جنوبية’.. ولم ينفِ ما نشرناه
التالي
الحاج حسن نعى لويس الجميل ودعا الى تكريمه