خمسة أسئلة للسّيسي، رجل مصر الغامض

عبدالفتاح السيسي

يوشك المصريّون أن يسلموا مفاتيح بلادهم للمشير والمرشّح الرئاسي عبد الفتّاح السّيسي، من دون أن يدركوا إلى أين يقودهم. لا بل الواقع أنهم لايعرفون إلاّ النزر اليسير نسبيّاً عن السيسي، مايطرح إشكاليّةً نظراً إلى الكمّ الهائل من التحديات التي تواجهها مصر.

ستكون الانتخابات الرئاسية، المرجّح إجراؤها في أيار 2014، مختلفة بشكل فاقع عن المعركة الانتخابية في حزيران 2012 التي شهدت تنافساً شديداً. فقد بدأت الحملة آنذاك بأكثر من دزينة مرشحين (من بينهم أربعة أو خمسة متنافسين جدّيّين) فاز في ختامها مرسي بعد جولة محتدمة خاضها أمام ضابط برتبة فريقٍ أوّل متقاعد.

وهكذا، سيحقّق السيسي فوزاً سهلاً على الصعيد الانتخابي، وغير ذلك المستقبل ليس واضحاً. إذ يجهل المصريون موقف السيسي تجاه عددٍ من القضايا الأساسية، كما يجهلون ما ينوي القيام به عند تسلّمه سدة الرئاسة. لكنّ الكثيرين منهم يعلمون أنّ بلادهم تعاني من عقد متشابكة من المشاكل في مجالات الأمن وحقوق الإنسان والسياسة والاقتصاد.

الانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها، تبرز أكثر المناخ الشديد الاضطراب الذي يسود مصر. إذ سيتم إقصاء أو تهميش حزب الحرية والعدالة الذي ينتمي إليه مرسي والذي فاز بغالبية المقاعد تقريباً في الانتخابات الأخيرة، بسبب ارتباطه بالإخوان. وحتى الأحزاب العلمانية التي أيّدت بشكل فعّال أو غير فعّال إطاحة مرسي، مثل الحزب المصري الديموقراطي الاجتماعي، وحزب المصريين الأحرار، وحزب الوفد، وغيرها، قد تتضاءل فرصها على الأرجح بسبب العودة إلى نظام انتخابي كان سارياً في عهد مبارك وتهيمن عليه المقاعد الفردية لا القوائم الحزبية.

لذا، فإنّ الأحزاب السياسية الوليدة التي بدأت تقف على قدميها خلال الانفتاح السياسي الوجيز في البلاد بعد انتفاضة العام 2011، معرّضة للتهميش في الانتخابات البرلمانية التي يطغى عليها المال والعائلات القديمة والعلاقات مع الأجهزة العسكرية والأمنية. والهدف، وربما الحصيلة أيضا، من وراء القيام بذلك، هو تشكيل برلمان عاجز عن أداء المهمات الواسعة النطاق التي يمنحه إياها الدستور المصري الجديد، ووضع السلطة الفعلية مجدّداً بين يدَي الرئيس.

القضايا الاقتصادية تبدو أيضاً مقلقةً جداً بدورها، وقد تذكي على الأرجح نار الاضطرابات الشعبية إن هي أُهمِلَت. فمصر تواجه نقصاً ملحّاً في الطاقة، إذ إن سنوات من الدعم الحكومي للطاقة تركت نصف حاجات الصناعة الثقيلة غير مُلبّاة، وجعلت المستهلكين يواجهون انقطاعاً متكرراً بشكل متفاقم للتيار الكهربائي. هذا إضافة إلى أن معدلات البطالة لا تزال مرتفعةً بشكل خطير، ولا سيما في صفوف الشباب، فيما بات العمّال متململين كما كانوا مراراً طوال السنوات الأخيرة. أما الإنفاق الحكومي على الدعم وعلى البيروقراطية التي تضم سبعة ملايين موظف، فلا يمكن أن يستمر من دون المساعدات النقدية الكبيرة والمتكرّرة من دول الخليج، وهي خطة قصيرة الأمد في أفضل الحالات. وإعادة الإنفاق الحكومي إلى مستوى مستدام، تتطلّب تدابير تقشّفية مؤلمة يمكن أن تولّد مزيداً من الاضطرابات. كما أن إحياء النشاط الاقتصادي، يستلزم استعادة الاستثمار والسياحة على نطاق واسع، الأمر الذي سيحصل فقط في حال طرأ تحسّنٌ على الوضع الأمني.

على أي حال، الحكومة المدعومة من الجيش والتي شُكِّلَت منذ الانقلاب على مرسي، تعمل في ظلّ أزمات متلاحقة. ويبقى السؤال الكبير المطروح ما إذا كان السيسي، بعد أن يُنتَخَب وتكاد تكتمل خريطة الطريق السياسية لما بعد الانقلاب، سيبدأ باتّخاذ التدابير اللازمة لحلّ هذه العقدة من المشاكل.

لم يظهر حتى الآن أي مؤشر على أن السيسي وضع استراتيجيةً سياسيةً أو أمنيةً لتخطّي أسلوب القمع التام المُتَّبَع منذ تموز 2013. إلا أن السيسي أعرب فعلاً عن قلقه إزاء التحديات الاقتصادية “الهائلة” التي تواجهها مصر في الخطاب الذي ألقاء في 26 آذار، ووصف بطالة الشباب واعتماد الحكومة على المساعدة الخارجية بأنهما أمر “غير مقبول”، لافتاً إلى أن المصريين ينبغي عليهم القيام بتضحيات.
وحالما تبدأ حملته الرئاسية، يُفترَض أن يطرح السيسي مشروعَين اقتصاديَّين كبيرَين كجزء من حملته، يتعلّق أوّلهما بالإسكان، وثانيهما بتنمية منطقة قناة السويس. سيتضمّن المشروعان الانخراط الكثيف للجيش وأموال الخليج، ولاسيما الإمارات العربية المتحدة. وتوحي هذه المبادرات بأن ميول السيسي في السياسات الاقتصادية ستكون شعبوية ودولتية (كما يمكن أن نتوقّع من شخص أمضى حياته في الجيش) بدل التركيز على الإصلاح أو التوجه نحو إحياء قطاع الأعمال والاستثمار. كما أنها ستعزّز المخاوف التي يعرب عنها رجال الأعمال في السرّ، ولاسيما المخاوف من أن يقصي الجيش بشكل متزايد القطاع الخاص عن مجالات واسعة في الاقتصاد.

نظرياً، ستسنَح للمرشح الرئاسي الفرصةُ ليوضح مواقفه إزاء هذه القضايا في الحملة المقبلة. وفي حين يُستبعَد أن يشهد العام 2014 مناظرة رئاسية جدّية (على عكس العام 2012 حينما أنهى المرشحان الرئاسيان الأوفر حظاً سباقهما فعلياً بإطلالتهما في أول مناظرة متلفزة تشهدها مصر)، سيُتاح للسيسي بلا شك الكثير من الفرص للتحدّث علناً. إذا اغتنم هذه الفرص وبدأ بتحديد ملامح شخصيته السياسية، يفترض أن تسلّط إجاباته الضوء على خمسة أسئلة تتناول كيفية معالجته التحديات الضخمة التي تواجهها مصر:

  1. هل يقرّ السيسي بأن البلاد تخوض غمار مرحلة من الصراع الداخلي والاستقطاب غير المسبوقَين، وبأن ثمة حاجة إلى التعافي الوطني الآن؟ لقد ألمح إلى هذا الأمر في خطابه في 26 آذار، إلا أنه سرعان ما أشار إلى أن اللوم يقع على أعداء “داخليين وإقليميين وخارجيين” مجهولين.
  2. هل يعرض السيسي غصن الزيتون على الذين يشعرون بأنهم مهمّشون ومعرّضون للمضايقة منذ تموز 2013 – أي للشباب والصحافيين والمجتمع المدني ومنتقدي الحكم العسكري – ناهيك عن مناصري الإخوان المسلمين؟ يتمتّع الرؤساء المصريون الجدد عادةً بالشهامة، ويحاولون أن يُظهِروا أنهم قادة الأمّة بأسرها. لقد أشار السيسي في خطابه إلى أن أي مصري لم تتم إدانته يجب أن يُعَدّ “شريكاً فاعلاً”، لكن هذا الكلام هو بالكاد مطمئن في ظلّ وجود عشرات الآلاف في السجون والمحاكمات الجماعية للمئات.
  3. هل يعبّر السيسي عن التزامه تطبيق حماية حقوق الإنسان المنصوص عليها في الدستور؟ سيكون من الأساسي الإقرار بانتهاكات أجهزة الأمن والتعهّد بانتهاج مسار عدالة انتقالية جدّي (سبق أن شهدت مصر مسارات عدة غير جدّية). ولم يلمّح السيسي إلى ذلك في خطابه الأول، بل أطلق وعداً بـ”إعادة بناء الدولة”.
  4. هل يعبّر السيسي عن التزامه التعدّدية السياسية ويتّخذ خطوات لإعادة فتح المجال السياسي للعلمانيين والإسلاميين على السواء؟ لقد ألمح تلميحاً مقتضباً فقط إلى الديموقراطية في خطابه في 26 آذار.
  5. كيف يناقش السيسي دور القطاع العام، ولاسيما الجيش، في الاقتصاد مقابل دور القطاع الخاص، وهل يقرّ بأن قطاعاً خاصاً حيوياً وحراً هو الوحيد القادر على توفير الوظائف التي تحتاج إليها اليد العاملة المصرية الضخمة والمتنامية؟ لقد قال السيسي في خطابه فعلاً إن القدرات الانتاجية في “القطاعات كافة” يجب أن يُعاد إحياؤها، وألمح إلى أن مصر لاتستطيع الاعتماد على المانحين الخليجيين إلى ما لانهاية. لكنه لم يقل شيئاً محدّداً عن دور القطاعَين العام والخاص في توفير الوظائف.

طبعاً، حتى لو قال السيسي العديد من الأمور الصائبة أثناء حملته، لايمكن معرفة ما إذا كان سيتّخذ فعلياً الخطوات التي تحتاجها مصر أشدّ الحاجة، مثل إصلاح دعم الطاقة أو البدء بعملية إصلاح الشرطة التي طال انتظارها. لكن المشكلة الآن هي أن أحداً لايعرف ما إذا كان السيسي يعتقد أن هذه الخطوات مهمة. وحتى لو بدأ المصريون بالحصول على إجابات أثناء الحملة، سيكون الأوان قد فات لعكس المسار بسبب غياب مرشّحين رئاسيين آخرين.

بعد أن سلّم المصريّون مفاتيح الحكم للسيسي، سيسيرون خلفه وهم غير قادرين إلا على الصياح، على أمل أن يسترعوا انتباه الرجل الغامض الذي يقودهم.

(أقسام من مقالة طويلة)

 

السابق
حنّا غريب يضاعف راتبه الكبير من جيوب فقراء لبنان؟
التالي
الزواريب تحضن جو فرفور