الجمهورية: كيف قرأ حلفاء ’حزب الله’ تخلّيه عن آل عيد؟

شكّل تخلّي «حزب الله» عن رفعت وعلي عيد صدمةً لدى كلّ حلفائه من خارج الطائفة الشيعية، الأمر الذي جعل الصورة التي رسمها لنفسه بأنّه يدافع عن حلفائه كدفاعه عن نفسه تهتزّ وتتصدّع.

لا يمكن تفسير رفع «حزب الله» الغطاء عن آل عيد إلّا في حالتين: في حال انهيار ميزان القوى السوري لمصلحة المعارضة السورية الذي وحده قادر على دفع «حزب الله» إلى تقديم تنازلات مؤلمة في الأمن والسياسة، ولكنّ هذا الاحتمال غير قائم، أقلّه اليوم، لأنّ الحزب يحقّق انتصارات في سوريا، والوضع بشكلٍ عام متوازن.
وفي حال عدم تمكّن «حزب الله» عبر إجراءاته الأمنية من مواجهة القوى المتطرّفة التي اخترقت بيئته بزرع العبوات والتفجيرات، وهذا الاحتمال هو الأرجح، الأمر الذي دفعه إلى التراجع خطوات إلى الوراء، سياسياً من خلال إعادة مفاتيح السراي إلى «المستقبل» وتسليمه الوزارات الأمنية، وأمنيّاً من خلال التضحية بالحالة العلوية في طرابلس مقابل إزالة الحالة السنّية المتطرفة ووقف التفجيرات الإرهابية.

فـ»حزب الله» يدرك أنّ كاسحة الألغام المعتدلة في الطائفة السنّية لا يمكن أن تواجه القوى المتطرّفة داخل هذه الطائفة إلّا في حال تزويدها بالمبرّرات والعناصر والمسوّغات التي تفسح في المجال أمامها بتنفيذ القانون على الجميع دون استثناءات، لأنّ استثناء جبل محسن من الخطة الأمنية كان سيؤدّي إلى فشل هذه الخطة في مهدِها وتفاقم الوضع الأمني.

ونظراً لحاجة «حزب الله» الماسّة إلى اقتلاع الحالة السنّية المتطرّفة من جذورها نتيجة الإرباك الذي أحدثته داخل بيئته، وبعد تيقنّه من أنّ سياسة استخدام الساحة السنّية في مواجهة «المستقبل» لكسره وإخضاعه لم تُجدِ نفعاً، لم يجد سبيلاً إلّا التنازل أمام الاعتدال السنّي ليتكفّل في المواجهة التي اقتضت، ومن شروطها اقتلاع الحالة العلوية المتطرّفة، خصوصاً بعد أن أثبتت التحقيقات ضلوعَها في تفجيري طرابلس.

ولكن ماذا يعني تخلّي «حزب الله» عن رفعت وعلي عيد؟ وما تأثير هذه الخطوة على حلفائه؟ في اعتقاد قريبين من الحزب أنّه لم يكن مضطرّاً إلى إعطاء هذه الإشارة باستعداده للتخلّي عن حلفائه في الطوائف الأخرى، لأنّ حمايته لا تأتي فقط من بيئته، إنّما من امتداده العابر للطوائف والمناطق، خصوصاً أنّ ميزان القوى في سوريا ولبنان ما زال لمصلحته، وبالتالي ماذا لو تبدّل هذا الميزان، فهل سيضحّي بكلّ تحالفاته لإنقاذ رأسه؟

وفي اعتقاد هؤلاء أنّ التفجيرات الإرهابية التي شكّلت التحدّي الأساس أمام «حزب الله» كان قادراً على التغلّب عليها من دون حاجته لـ»المستقبل»، وذلك بمجرّد حسم معركة يبرود، أي بعد تجفيف منبع ومصادر هذه التفجيرات، كما أنّ الفوضى القائمة داخل البيئة السنّية تشكّل حالة ضغط على «المستقبل» لا «حزب الله»، حيث إنّ الطرف الأوّل هو المتضرّر منها على كافة المستويات، من غياب عامل الاستقرار عن كلّ المدن والمناطق السنّية الرئيسية، إلى تراجع قدرته على ضبط الساحة السنّية، وبالتالي أين المصلحة في إعاة تمكين «المستقبل» وتعويمه، فيما لم يقدّم أيّ تنازل جدّي سوى قبوله العودة إلى الحكومة التي عاد إليها من الباب العريض؟

واعتبر هؤلاء أيضاً أنّ السياسة التي اعتمدها «حزب الله» لم تنعكس فقط على الساحة العلوية، إنّما أضرّت بحلفاء الحزب على الساحة السنّية، لأنّ استعادة «المستقبل» لنفوذه وسلطته وحضوره يأتي على حسابهم، فلو جرت أيّ انتخابات في مرحلة ما قبل تأليف الحكومة لاستطاعوا انتزاع حضور تمثيليّ مميّز، لا نقول كاسحاً، إنّما مرموق، ولكنّه بخطوة واحدة ألغى الحالة العلويّة الممانعة، وأقفلَ البيوتات السنّية المعارضة للحريرية السياسية، وشجّع حلفاءَه في الطوائف الأخرى على التفكير بمصلحتهم كي لا تأتي اللحظة التي يضحّي بهم على مذبح مصلحته.

وإذا كان يمكن تفهّم أولويات الحزب في مراحل محدّدة، إلّا أنّه لا يمكن تبرير خطوات من هذا النوع، أوّل من سيدفع ثمنها هو «حزب الله» نفسه، لأنّ هذه القوى كانت وفيّة ومخلصة له ولخياراته، والأطراف الأخرى مهما تقرّب منها أو تقاطعت مصالحه معها تبقى في موقع الخصومة معه، حتى لا نقول العداوة، فضلاً عن أنّه ليس من مصلحته إلغاء آخر موقع نفوذ فعليّ في لبنان للنظام السوري.

وأمّا الكلام عن أنّه بعد تخلّص «حزب الله» من البيئة الأصولية يعمد إلى ردّ الاعتبار إلى آل عيد، فهذه المسألة، ودائماً وفق القريبين منه، تخضع لتوازنات معيّنة، وتتعلق بطبيعة المرحلة، فضلاً عن أنّ القديم سيعود إلى قِدمه داخل الساحة السنّية، وبالتالي كان من الأجدى إيجاد الترتيب اللازم الذي ينزع أسباب التوتّر دون التخلّي عن حلفاء الصف الواحد.

السابق
النهار: التحرّكات المطلبية إلى الشارع… وسلسلة مخفوضة
التالي
الوكالة الوطنية واذاعة لبنان يتوقفان 24 ساعة احتجاجاً