لا أحد مهتم بالسلام

تهدد الازمة الحالية التي تواجهها المفاوضات السياسية بين الفلسطينيين والاسرائيليين بانهيار المسيرة السلمية برمتها، الأمر الذي سيضطر وزير الخارجية الاميركي جون كيري الى اعلان فشله. فاذا لم توافق اسرائيل على الصفقة التي اقترحها كيري على الطرفين بتمديد المفاوضات سنة إضافية في مقابل اطلاق الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين، وتجميد “صامت” للبناء في المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية في مقابل اطلاق الجاسوس الاميركي جوناثان بولارد، فإن معنى هذا وداع للسلام والدخول من جديد في أفق المجهول.

وفي ظل تحميل كل طرف الطرف الآخر مسؤولية الفشل، ثمة حقيقة أساسية لا يمكن أن تخفى على أحد هي ان الائتلاف الحكومي اليميني بزعامة نتنياهو مقتنع بصورة عميقة بان الوقت الحاضر ليس الوقت الملائم لانسحاب اسرائيل من الضفة الغربية، ولا لقيام دولة فلسطينية والتوصل الى حل نهائي للنزاع، وتالياً لا جدوى من كل الجهود المحمومة التي بذلها جون كيري.
ترفد هذا الاقتناع العميق التقديرات الاسرائيلية أن انهيار المفاوضات لن يؤدي الى اندلاع العنف ولا الى نشوب انتفاضة جديدة. ففي رأي الاسرائيليين ان الشارع الفلسطيني مشغول بمعاناته اليومية وغارق في همومه ويعاني ازمة حياتية حادة سواء في الضفة أم في غزة، والسلطة الفلسطينية ضعيفة وهشّة سياسياً وأمنياً واقتصادياً، وحركة “حماس” تعاني العزلة والضائقة الاقتصادية منذ سقوط حكم “الاخوان” في مصر وقيام نظام العسكر الذي اعتبر “حماس” حركة محظورة، وكل ذلك يجعل الحركة لا ترغب حالياً في مواجهة عسكرية مع اسرائيل.

ومن العوامل الأساسية الأخرى وراء الرفض الاسرائيلي لمبادرة كيري، التراجع الكبير الذي طرأ على مكانة الولايات المتحدة ودورها في المنطقة في نظر اسرائيل خلال السنوات الأخيرة. فتخاذل إدارة أوباما عن الدفاع عن حلفائها في المنطقة، وتآكل مكانتها في مواجهة صعود النفوذ الروسي، وحماسة هذه الادارة للتوصل الى اتفاق مع ايران على برنامجها النووي وبدء تفكيرها في رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، كل ذلك يجعل الاسرائيليين أكثر تشكيكاً في أفكار كيري ورفضاً لحماسته واستخفافاً بتفاؤله بايجاد حل لنزاع عمره مئات السنين.

ليس الاسرائيليون وحدهم غير مهتمين بالسلام، الفلسطينيون أيضاً فقدوا ايمانهم بان ادارة أوباما قادرة على تحقيق اختراق في العملية السياسية، وتضاءل أملهم في امكان تحقيق حل الدولتين في أفق منظور. وهم عادوا الى سياسة التوجه نحو المؤسسات الدولية سعياً الى نيل الاعتراف الدولي بفلسطين، الأمر الذي تعتبره الولايات المتحدة خرقاً للتعهدات الفلسطينية لعدم القيام يخطوات احادية الجانب، والذي تستغله اسرائيل حالياً لتحميل الفلسطينيين تبعة فشل صفقة كيري.

السابق
أبو فاعور يشن هجوماً على الجيش في راشيا والخيارة
التالي
وقائع عن «استخفاف» النوّاب بناخباتهم