السفير: كل ماروني مرشح.. فمن هو الرئيس؟

“الخامس والعشرون من آذار 2014 يوم غير عادي بالنسبة للمرشحين الرئاسيين. هم متوترون أصلا قبل بدء المهل الدستورية. تأتي المواعيد، فيصابون بـ”دوار الكرسي”: من أين نبدأ وكيف لنا أن نصل إلى “القصر”؟ 

يكفي أن تكون مارونياً، فأنت مرشح للقب “فخامة الرئيس”. تصل أو لا تصل. تلك حكاية أخرى، عمرها من عمر الجمهورية لا بل “الكيان الكبير” الوليد قبلها.

إلى الرئاسة.. ليس بالضرورة أن تمتلك برنامجاً. أن تكون طامحاً، غيوراً على مصلحة الوطن، قوياً، ضعيفاً، نزيهاً، تغييرياً، ثورياً، عادياً. ليس مهماً ذلك كله. المهم أن تحصل الصفقة.. والصفقة لا تحصل عادة بين المرشح ومنتخبيه.. بل بين “الدول”.

ندر أن انتخب اللبنانيون وحدهم رئيسهم. في كل مرة، كانت “الدول” تضرب على صدرها. تبسط يدها. تسقط الأوراق في صندوق الاقتراع. “عاش الرئيس”.

من هي تلك “الدول”؟ لا وصفة ثابتة. اقرأ موازين القوى في المنطقة، تقرأ هوية رئيسك في لبنان. صحيح أن عواصم القرار لا تريد شيئاً من لبنان “ولكن تريد كل شيء من المنطقة عبر لبنان”، وفق القول المأثور للرئيس الدكتور سليم الحص.

توجه سؤالك إلى أحد سفراء دول القرار: بالله عليك، ما هو سر هذا الحرص “الأممي” على استقرار لبنان؟ يقول كلاماً إنشائياً كبيراً عن الديموقراطية وتداول السلطة والسلم الأهلي والفرص النفطية الواعدة ونموذج العيش المشترك الخ…

تجيبه بأنها كلها أسباب غير مقنعة: “لقد صرنا نشعر بأن منسوب الوطنية عندكم أعلى بكثير منا.. إذا أجريتم فحص دم لكل الشعب اللبناني، فلن تكون نتائجه إلا خير دليل على ذلك”؟

يصول الديبلوماسي العريق والخبير بأحوال المنطقة منذ نصف قرن تقريباً ويجول ولا يقدم أسباباً مقنعة. يضحك قليلا ويقول:

عندكم في لبنان 13 ألف جندي دولي (“يونيفيل”) وهناك ما لا يقل عن أربعة آلاف جندي مدني (معظمهم من الجواسيس)!

قالها الرجل بالفم الملآن. لبنان منصة. هكذا كان ولا يزال. يقل اللاعبون على هذا المسرح أو يكثر عددهم، تبعاً لمعطيات الداخل والإقليم. كلما تشظت العلاقات اللبنانية وازداد الشرخ الوطني، كبر منسوب حضور الخارج.. والعكس صحيح. كلما استقر الإقليم وربما العالم، كان نصيب لبنان أن يكسب جولة من الاستقرار.
هل للبنان أن يفوز برئيس جديد بين الخامس والعشرين من آذار والخامس والعشرين من أيار؟

لأن حضور الثلثين من النواب، ما عاد موضع جدل دستوري، لا بد من “8 و14 آذار”.. وما بينهما من وسطيين، حتى يكتمل نصاب المجلس.. فهل يتفق الطرفان على النزول الى المجلس النيابي، وترك الأمور تأخذ مجراها من دون خريطة مسبقة؟

الجواب الأرجح أن لا هذا ولا ذاك سيفرّط بمرشحه، قبل أن تنضج “الطبخة”. قد يتساهل الكل، لكن “حزب الله”، حتى الآن، لن يفرّط بمرشحه ميشال عون، ولن يمانع بزيادة هوامش تجعل “الجنرال” يعتقد أنه يزيد فرص وصوله إلى بعبدا. إنها الفرصة الأخيرة لهذا الزعيم الماروني الذي أحدث انقلاباً في المدرسة التقليدية المارونية بأن اختار تفاهمات وتحالفات، داخلية وإقليمية، غير مألوفة، في مرحلة سياسية معينة.
اللاعب المحلي الثاني، هو “تيار المستقبل”. يردد زعيمه سعد الحريري بأن “14 آذار” سيكون لها مرشحها. الأولوية لسمير جعجع برغم تخمة المرشحين، على عكس “8 آذار”(عون أولاً وسليمان فرنجية ثانياً).

“حزب الله” والحريري يؤديان واجباتهما مع حليفيهما المارونيين، لكن هل “الواجبات” وحدها توصل إلى الرئاسة؟ هل الطموحات تكفي؟ هل موازين القوى الداخلية تقرر؟
يستطيع كل من “الحزب” والحريري أن يقول “هذا مرشحي.. وإلا فالفراغ”. موازين القوى في الداخل والخارج تشي بأن حظوظ التمديد تناقصت إلى حد التلاشي. الأكيد أن “حزب الله” لن يسمح بوصول مرشح من “14 آذار”. يلتقي معه النائب وليد جنبلاط. “البيك” كان صريحا جدا مع سمير جعجع على طاولة عشاء نعمة طعمة.

في خضم حماسة رئيس “القوات” لخيار انتخاب الرئيس بالنصف زائدا واحدا، انبرى جنبلاط مخاطبا ستريدا: “يذكرني ترشيح زوجك لرئاسة الجمهورية.. بترشيح بشير الجميل في العام 1982. بصراحة لا نستطيع تكرار التجربة نفسها بعد أكثر من ثلاثين سنة، خصوصا أن حوالي نصف اللبنانيين لا يزالون حتى اليوم يعتبرونه عميلا إسرائيليا”؟

في المقابل، هل يستطيع ميشال عون أن ينزع من ذهن فريق لبناني انه لن يمثل في موقع الرئاسة النظامين السوري والايراني. هذا الفريق اللبناني الذي صار ينظر إلى سوريا وإيران وحليفهما “حزب الله” بأنهم كلهم صاروا أكثر خطراً عليه من الإسرائيلي نفسه؟ هل يستطيع أن يشطب خطاباً عمره من عمر الطائف لم يسلم منه رفيق الحريري قبل حياته وبعد مماته، ولا سعد الحريري ولا تجربة سلطة امتدت عشرين سنة يختزلها الكتاب ـ العيدية: “الإبراء المستحيل”؟

ليس غريباً أن كل طرف تعامل مع تأليف حكومة تمام سلام في الأسابيع الأخيرة، تأليفاً وبياناً وثقة، كوصفة رئاسية. قيل لـ”الجنرال” سهّلها، تفتح أبواب كلام من نوع آخر. اعتقد الرجل أن الرئاسة صارت في جيبه ما دام سعد الحريري قالها كذلك. العبارة نفسها أسمعها له الأميركيون وسفراء غربيون، ما عدا سفير الفاتيكان الذي زار الرابية وقال له إن حظوظه الرئاسية شبه معدومة.. وبالتالي لا بأس أن يضع “الخطة ب”. رفض “الجنرال” صيغة “صانع الرؤساء”.

خرج سفير الفاتيكان، المعروف بتعاطفه مع الحالة المسيحية القلقة من تداعيات الأزمة السورية، من الرابية بانطباع سلبي عكسه في تقرير تضمن توصيات استثنائية. كانت النتيجة أن ميشال عون وصل إلى روما، لكنه لم يجد من يدخله إلى أروقة الفاتيكان التي تصنع السياسات.. فكان التعويض عند سعد الحريري في باريس.
إذا كانت العناصر الخارجية للانتخابات الرئاسية هي التعبير عن الرغبة بإجرائها في موعدها، فإنها متوافرة، ويمكن بالتالي للبنانيين أن ينتخبوا رئيسهم اليوم قبل الغد، لكن السؤال الحقيقي، إذا توافرت الرغبة، هل القدرة موجودة، وبماذا ترتبط القدرة؟ بأوزان إقليمية؟ هل هي التطورات السورية أم الإيرانية أم تطورات الإقليم بأسره؟ بأوزان لبنانية؟ هل هو “حزب الله” أم “المستقبل” أم الاثنان معا؟
ليس بالضرورة أن ينسحب تفاهم الرياض وطهران على ولادة الحكومة برعاية أميركية على الرئاسة ايضا. الحكومة بحد ذاتها كهيئة تنفيذية مكتملة الصلاحية، تحمل في طياتها تعبيراً عن بدل عن ضائع رئاسي.

ثمة عناصر غير متوافرة لإنتاج رئيس لبناني جديد. البدء بتناول الاستحقاق الرئاسي في الأروقة الدولية الضيقة، وخصوصاً في باريس وواشنطن، مؤشر إيجابي لكنه ليس كافياً. أن يزور سفير الولايات المتحدة ديفيد هيل الرياض غداة القمة الأميركية السعودية المقبلة فذلك يمكن أن يعطي إشارات معينة. أصلا، لا يخفي السعوديون حماستهم لواحد من أبرز المرشحين الموارنة.. وإذا تعذر تسويقه، لبنانياً وخارجياً، فليكن التمديد، ولو لفترة قصيرة جداً.

هل يمكن التفاهم على مرشح آخر؟

لننتظر تطورات الأزمة السورية في الأشهر المقبلة، ما دامت شروط العودة إلى “جنيف 3″، لن تكون متوافرة في المدى المنظور.

لنترقب مجريات الأحداث في القرم. موسكو تصعّد. واشنطن تتردد. طهران تتشدد. مناخ الحرب الباردة يتجدد.

عاش “جنرال” الفراغ في لبنان.

السابق
الشرق: العد التنازلي للاستحقاق الرئاسي بدأ
التالي
لا تأثير لماضي المرشحين في الاستحقاق؟