«الدولة العلوية» خط أحمر تركي

بداية العام الرابع للحرب في سوريا، تبدو مفتوحة على احتمالات وتطوّرات ضخمة وعميقة. تركيا أسقطت طائرة ميغ سورية، وقصفت مواقع عسكرية سورية داخل الأراضي السورية. إسرائيل قصفت موقعاً سورياً، فقتلت جندياً وجرحت عدّة جنود. هل يعني هذا إعلان حرب تركية وإسرائيلية ضدّ الرئيس بشار الأسد؟
تركيا – “الأردوغانية”، جزء ناشط من الحرب في سوريا، سواء تمدّد هذا النشاط ووصل إلى دعم عسكري مباشر واحتضان سياسي كامل للمعارضة، أو انحسر. أنقرة عملت طوال سنوات ثلاث على ضبط انخراطها في “الحروب” خصوصاً على الصعيد العسكري. انضباط أنقرة متناسق مع إدارة واشنطن “لعبة الكراسي الموسيقية” للحرب. ليست الحملة الانتخابية والمصاعب التي يواجهها الطيب رجب أردوغان وراء قراره بإسقاط الطائرة السورية. سقوط يبرود والكلام المتزايد عن اكتمال “هلال” الدولة الاسدية – العلوية، من دمشق إلى الاسكندرون، أقلق أنقرة لأنّها تخلق خطراً استراتيجياً لتركيا. اللعب بالنار العلوية ومن ثم الكردية، يعني إحراق تركيا والتمهيد لتقسيمها. المشاركة غير الرسمية ولكن العلنية للمخابرات التركية في معركة “كَسَب”، هي لإبعاد أخطار التقسيم عن تركيا إذا حصل. لذلك تبدو حكومة أردوغان، ومَن سيخلفه، سواء كان أردوغان نفسه أو غيره، مضطرة للتعامل بقوّة أكبر ودائمة مع هذا الخطر، وكسر أي مخطط للتقسيم الأسدي – العلوي. تقسيم سوريا ليس كارثة لسوريا فقط، وإنّما هو كارثي للمنطقة كلها.
أمّا إسرائيل، فإنّها تبدو وكأنّها تُعيد حساباتها من الحرب في سوريا. حتى الآن حالت دون سقوط الأسد ودعمت الموقف الأميركي في ترك سوريا “ملعباً” يتقاتل فيه “المتطرّفون” ومعهم إيران وروسيا حتى “استسلامهم” من التعب. سوريا المدمَّرة والغارقة في حروب لا تنتهي هي أفضل الحلول لإسرائيل. لكن كما يبدو أنّ التطوّرات الأخيرة بدأت تُقلق إسرائيل ومعها الولايات المتحدة الأميركية، من ذلك:
* أنّ الأسد أصبح خاضعاً كلياً للقرار وليس النفوذ الإيراني – “حزب الله” فقط. فتح جبهة الجولان كلياً سينتج انخراطاً إسرائيلياً في الحرب في سوريا، وهو ما لا تريده، لأنّ التفرّج مع بعض التدخّل على “الأصابع” التي تحترق لرفع “الكستناء” السورية يبقى أفضل بكثير من تعريض “أصابعها” للاحتراق.
* أنّه كلما طالت الحرب في سوريا – وهذه قناعة بدأت تتشكّل في واشنطن أيضاً – سينتج “دولة فاشلة”، هذا إذا لم “تتصومل” سوريا كلياً. سوريا “دولة فاشلة” تشكّل خطراً على المنطقة. لا واشنطن ولا إسرائيل ترغبان في الاندفاع عن حافة الهاوية إلى الهاوية.
في هذه الأثناء، ترفع موسكو وطهران منسوب تشدّدهما في سوريا. موسكو باعتراف مسؤول دولي “هي التي أفشلت “جنيف-2″”. قرار التفشيل كان مثل الفيتو المُستخدَم في الأمم المتحدة. أرادت موسكو إبلاغ واشنطن مباشرة، أنّها مستعدة للذهاب بعيداً في منع أي محاولة لإحداث انهيارات ارتدادية ضدّها على غرار انهيار أحجار الدومينو. موسكو مستعدة للتصعيد أكثر إذا ما حاولت واشنطن تشجيع فنلندا والسويد على الانضمام إلى الحلف الأطلسي، لأنّه يوجّه تهديداً مباشراً لـ”أمن روسيا القومي”. يريد “القيصر” وقف “اللعبة” حالياً عند حدود “ابتلاعه وهضمه” للقرم مقابل عدم تحريك الأقليات الروسية في الدول المحيطة بروسيا، للانضمام إلى “امبراطوريته”.
أمّا إيران فإنّ التشدّد الذي أظهره المرشد آية الله علي خامنئي، وذلك بالعودة إلى شعار “الموت لأميركا”، هو لمواجهة التشدّد الأوروبي – الأميركي في المفاوضات النووية، والذي كما يبدو بدأ يقلق المرشد، من أن يكون هدفه “عرقنة” المطالب الغربية بحيث تتدحرج مطالبهم من القمّة النووية وصولاً إلى حقوق الإنسان مروراً بالسلاح الصاروخي، فتنتهي بذلك “جمهوريته”.
يبقى أخيراً لبنان الذي من حظه – حتى الآن – أنّه واقف تحت “خيمة” دولية تحدّ من سقوط “شظايا” التحوّلات عليه. لكن حتى هذه “الخيمة” لم تعد تكفي إذا لم يسارع اللبنانيون إلى تحصينها والعمل على قاعدة أنّ حروب الإلغاء لا تلغي أحداً سوى لبنان.

السابق
واشنطن تعرب عن القلق العميق للحكم بالاعدام في مصر على 529 من الاخوان المسلمين
التالي
مهلة الانتخابات الرئاسية تبدأ غداً: ماذا يعني يوم 25 آذار؟