هل ما زال ’حزب الله’ مقاومًا؟

المقاومة الاسلامية
فإذا سلّمنا جدلاً بأن همّ إيران الأوحد هو تحرير فلسطين، وهي لهذا أرسلت "الحرس الثوري"، يبقى السؤال: ما علاقة "كتائب أبي الفضل العباس" و "بدر" وغيرها من التنظيمات الشيعية العراقية بالمسألة، عدا عن "الحوثيين" الذين جاؤوا من آخر أصقاع المعمورة؟ ثم ماذا لو قرّر شعب عربي ما، كالشعب الموريتاني، أو التونسي، أو الأردني تطبيع علاقاته مع العدو الصهيوني؟ هل سنرى "حزب الله" يقاتل في أزقّة عواصم تلك البلاد دفاعاً عن المقاومة؟

أنتجت الحرب الأهلية اللبنانية، بانتهائها، “حزب الله” بشكل قسري، أي من خارج منطق التاريخ، بعد تدخّل النظام السوري الذي ضرب “جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية”، كتجربة رائدة، كان من الممكن لو استطاعت حسم المواجهة في هذه الحرب أن تقدّم نموذجاً مرعباً، يقض مضاجع النظام السوري، وغيره من الأنظمة العربية التي تستشعر بحسّها الأمني عدوها الطبقي.

وحزب الله حُظِيَ بامتيازات لا حدود لها، إن على المستوى الشعبي السوري باعتباره حزباً “مقاوماً”، أو على المستوى الحكومي السوري لأسباب بدأت تتكشّف شيئاً فشيئاً بعد انطلاق الثورة السورية في آذار/ مارس 2011.
ومن المعلوم أن هنالك تداخلا اجتماعيا وجغرافيا واقتصاديا بين البلدين الشقيقين لبنان وسوريا يحكم العلاقة بينهما، وقد ترك هذا التداخل انعكاساته على الأزمة السورية، في تمييز واضح بين مستويين من التعاطي. الأول له علاقة بالنظام السوري المهيمن على لبنان إن مباشرة، أو عبر شبكة علاقاته، والثاني على المستوى الشعبي الذي يثير التساؤلات عن طبيعة العلاقة بين الشعبين الشقيقين.
فمن المعروف تاريخياً أن العلاقة بين الجارين الشقيقين لم تكن يوماً علاقة ندية، لا بل كانت الندية واحدة من مطالب العديد من القوى السياسية في لبنان. ومن المعروف أيضاً عداء بعض القوى السياسية للوجود السوري بشكليه، المدني والعسكري. فالسوريون يدفعون ثمن موبقات جيش النظام في مرحلة الحرب الأهلية لكل المكونات السياسية اللبنانية. فتارة كان التحريض يأتي من القوى المتعاملة مع العدو الصهيوني سابقاً، وتارة من القوى المناهضة لها. هذا ما حدث مثلاً منذ بدء الثورة السورية بتصريحات من هنا وهناك، كان آخرها المؤتمر الصحافي للوزير السابق نقولا صحناوي، وعضو “التيار الوطني الحر” زياد عبس، اللذين عبّرا عن فاشية قلّ نظيرها لجهة فجاجتها. فيما برزت صفحات على مواقع التواصل الإجتماعي لم تخجل من ادّعاء النازية، تعبّر عن التوجّه نفسه في العداء الصريح للاجئين السورين، إذ وصلت الأمور للدعوة إلى قتلهم.

تبدو الأجواء العربية العامّة سيئة في هذا المنحى، فقد سبق لبنان في التحريض على السوريين، الإعلام المصري بشكل صريح معتبراً أن كل سوري في مصر ينتمي “لجماعة الإخوان المسلمين”، ليدفعوا الثمن تهجيراً جديداً واعتقالاً للبعض، ومضايقات لا عد لها. عدا عن معاملة في غاية السوء في أغلب البلدان العربية، إضافة إلى الحد من حرية حركتهم وتنقلهم، حتى في تلك البلدان التي تدّعي مناصرتها لقضيتهم العادلة. وهي مسألة ستتضح نتائجها بعد أن تستقر الأحوال في سوريا بإنهاء نظامها.
يبقى الوضع في لبنان هو الأعقد، فعلى أراضيه ما يقارب مليون لاجئ يعانون أسوأ الظروف، إضافة إلى وجود حزب طائفي يقاتل منذ بدء الثورة إلى جانب النظام بحجج شتّى، “كالدفاع عن القرى الحدودية الشيعية”، أو “حماية المقدّسات والمقامات”، أو “مواجهة التنظيمات الأصولية المتطرّفة”، أو، وهذا هو الأهم: “حماية المقاومة”. لكن كيف تستقيم حماية المقاومة بذبح الأغلبية الشعبية؟ هل خيار أقلية سورية؟ وإن كانت هكذا، هل ما يفعله هذا الحزب سيعيد غالبية الشعب السوري إلى حضيرة المقاومة؟
أغلب ممارسات هذا الحزب تشي بشيء واحد لا غير: حرب انتقامية طائفية باتت تتقاطع بشكل لا لبس فيه مع مصالح العدو الصهيوني، عدا عن تماثل في النهج التدميري، لا بل يفوقه. خصوصا في ظل معلومات عن تغيير ديموغرافية بعض المناطق بالحصار والتجويع والتصفية المباشرة والممنهجة. يدلّل على ذلك أن كل القوى التي تقاتل إلى جانب “حزب الله” والنظام السوري ذات لون طائفي واحد. فإذا سلّمنا جدلاً بأن همّ إيران الأوحد هو تحرير فلسطين، وهي لهذا أرسلت “الحرس الثوري”، يبقى السؤال: ما علاقة “كتائب أبي الفضل العباس” و “بدر” وغيرها من التنظيمات الشيعية العراقية بالمسألة، عدا عن “الحوثيين” الذين جاؤوا من آخر أصقاع المعمورة؟ ثم ماذا لو قرّر شعب عربي ما، كالشعب الموريتاني، أو التونسي، أو الأردني تطبيع علاقاته مع العدو الصهيوني؟ هل سنرى “حزب الله” يقاتل في أزقّة عواصم تلك البلاد دفاعاً عن المقاومة؟
حدثان متزامنان يؤشّران إلى السير باتّجاه واحد لا رجعة عنه. الأول ما سرّبته صحيفة “الشرق الأوسط” في عددها (12895) الصادر يوم الأربعاء 19/3/2014 عن حديث الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله مع نائب وزير الخارجية الروسي بوغدانوف والذي استمر بحسب الصحيفة حتى (03:00 فجراً) إذ قال له: “..وتستطيعون أن تنقلوا للإسرائيليين أن أهدأ مكان في الدنيا هو على الحدود اللبنانية الجنوبية، لأن كل اهتمامنا منصب على ما يجري في سوريا، وأنه لا توجد لدينا نية لفعل شيء في هذه المنطقة (الحدود اللبنانية – الإسرائيلية)”. وهو ما يؤكّد أن الحديث عن “حماية المقاومة” مضلّل لا معنى له، يستخدم لتغطية السبب الأساس، أي الطائفي. والثاني حصار “حزب الله” لمنطقة عرسال الحدودية مع سورية بحجة أن هنالك سيارات مفخّخة قد تنطلق باتّجاه أهداف له من هذه المنطقة، وهي ذات أغلبية سنية لم ينسَ أهلها بعد أحداث 7 أيار 2008، ما استدعى ردود فعل في أكثر من مكان بلبنان ليضطر الجيش اللبناني للتدخّل درءاً للفتنة، خاصة وأن الأجواء تبدو مشحونة ومحتقنة.
والسؤال هنا: ماذا لو أشعل “حزب الله” لبنان بممارساته بعد أن خسر عمقه الشعبي في سوريا إلى غير رجعة؟

أصبحت الأمور أوضح، فحزب الله سيخوض صراعاً طائفياً طاحناً ضد محيطه داخليا وخارجياً، وهي معركة “كسر عظم” إن جازت العبارة، أي معركة وجود بكل ما للكلمة من معنى. الأكيد فيها، أنّه يستطيع تفجيرها، لكنه قد لا يبقى بعدها.

السابق
المواطنون رعايا الدولة… أما الشعب فقد يكون بلا دولة
التالي
انتحال صفة «المنظِّر»