«الاعتدال السني» خلف الجيش… وانتشار على الحدود مدعوماً بقوات دولية!

عرسال

على رغم الانتقادات التي تناولت أداء الجيش اللبناني في جلسات مناقشة البيان الوزاري للحكومة السلامية، وجاءت على لسان نواب عكسوا حالاً من اللا «ثقة» تشوب البيئة السنّية في نظرتها إلى المؤسسة العسكرية، فإن ثمة رهاناً واضحاً على تلك المؤسسة من القيادات السياسية التي تمثل في نهجها وأدائها «الاعتدال السنّي»، وفي مقدمها زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري، وإن كان الشارع السنّي تعتريه تساؤلات لا يجد إجابات عليها عن أسباب وجود ما يعتبره صيفاً وشتاءً تحت سقف واحد في تعاطي الجيش مع بعض المناطق والأحداث، وشعوره أنه مستهدف. وإذا كان منطلق هذا الرهان يكمن في تمسّك تلك القوى بمشروع الدولة ومؤسساتها الأمنية، فإن ما يُعززه هو غياب الرغبة، كما القدرة، على الدخول في اللعبة الميليشياوية وسباق السلاح والتسلح الذي لا يمكن أن يؤدي إلى خلق توازن مع واقع الميليشيا الشيعية التي تشكلت تحت راية مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وتفرض، بواقع قوة سلاحها، تأثيراً على المعادلة الداخلية إلى كونها باتت جزءاً من مشروع إقليمي بما تشكله من ذراع إيرانية في المنطقة.

على أن الرهان أيضاً ينطلق من القرار الدولي بالحفاظ على لبنان، في خضمّ التحوّلات التي تشهدها المنطقة، ومنع تفجّره عبر استعار الصراع المذهبي السني – الشيعي فيه، وامتداد الحرب السورية إليه بما يحوّلها عوامل تفجير من الداخل. وإذا كانت الضغوط الدولية لتحييده قد حالت، حتى الآن، دون انهيار أمني كُليّ، فإن مسار التطورات المقبلة من شأنه أن يؤول إلى تعزيز واقع الدولة ودور مؤسساتها الأمنية في حفظ أمن البلد وسيادته وحماية حدوده. وليس نشوء المجموعة الدولية لدعم لبنان، وملاقاة المملكة العربية السعودية بتقديم مساعدات عسكرية للجيش اللبناني بثلاثة مليارات دولار وما يواكبها من مساعدات غربية أخرى، سوى ترجمة لقرار تعويم مؤسسة الجيش وتعزيز قدراتها وإمكاناتها العسكرية، كونها المظلة الأمنية الشرعية التي عليها أن تبسط سيادة الدولة، حين تتوافر اللحظة السياسية الإقليمية، إما بفعل التوصل إلى تسوية أو بفعل تشكل القناعة الداخلية بعد تسليم مختلف الأطراف بتلك الحاجة كضرورة لصون السلم الأهلي من ارتدادات الحرب السورية وأتونها.

فارتدادات الحرب السورية التي شهدت البلاد فصلاً منها في الأيام الماضية على خلفية سقوط القلمون بأيدي النظام السوري والميليشيات الشيعية، وتدفق المقاتلين عبر الحدود الشرقية ودخول السيارات المفخخة إلى منطقة الهرمل، وقبلها إلى الضاحية الجنوبية، عبر المعابر غير الشرعية، وما تلاها من حصار لبلدة عرسال كمنطقة سنية حاضنة للثورة السورية ولآلاف النازحين تجسّد بإقفال طريق اللبوة المَنفَذ الرئيسي للبلدة وردّات الفعل التي عاشتها المناطق الأخرى إقفالاً مماثلاً للطرق تضامناً مع عرسال، شكّل نموذجاً لما يمكن أن يكون عليه المشهد اللبناني إذا انفلتت الأمور. وإذا كان الجيش قد عزز انتشاره في منطقة عرسال ومحيطها راهناً، فإن ضمان الأمن والاستقرار سيفرض عليه، عاجلاً أم آجلاً، انتشاراً فعلياً على الحدود بين لبنان وسوريا. ووفق مطلعين فإن هذا الانتشار لن يقتصر على الجيش وحده، بل سيكون مدعوماً بقوات الطوارئ الدولية التي يُجيز القرار 1701 الاستعانة بها، وتوسيع نطاق عملها ليشمل ضمان أمن الحدود الشرقية – الشمالية للبنان، تماماً كما الحدود الجنوبية.

ويدرك هؤلاء المطلعون أن إمكانية دخول البلاد في حال من الاستقرار الأمني والانتعاش الاقتصادي لن يكون متوفراً قبل أن تنجلي الصورة في سوريا، وتتبلور في العراق، وتتكشف نتائج المفاوضات الغربية – الإيرانية في الملف النووي مع نهاية المرحلة التجريبية في تموز المقبل، وهي ملفات مرشحة للدخول في حلقة من التعقيد والتجاذب على خلفية الأزمة الأوكرانية الناشئة بين روسيا من جهة، وأميركا وأوروبا من جهة أخرى، في ظل الاعتقاد بأن احتدام المواجهة الروسية – الأميركية قد يُطيح بالتفاهمات القائمة على إدارة مشتركة لهذه الملفات، ولا سيما الملفين السوري والنووي الإيراني، بحيث تتحوّل إلى أوراق ضغط ومسرح لتصفية الحسابات. ولم يعد مستبعداً أن تدفع التطورات الروسية بالرئيس الأميركي باراك اوباما إلى إعلان اتخاذه خطوات متقدمة في الملف السوري، خلال زيارته المرتقبة إلى السعودية، ولا سيما أن سيّد «البيت الأبيض» لا يزال متردداً حيال رفع «الفيتو» عن تزويد المعارضة السورية بالأسلحة النوعية القادرة على تعديل موازين القوى، بعدما حقق النظام، مدعوماً من روسيا وإيران وأذرعها الميليشياوية اللبنانية والعراقية، تقدماً في الميدان.

وعلى رغم تقاطع بعض القراءات السياسية من أن المرحلة المقبلة مفتوحة لبنانياً على حيّز مقبول من التهدئة مع انطلاق أعمال الحكومة واتجاه إلى تعويم دور الجيش اللبناني، من دون إغفال إمكان حصول عمليات انتحارية، فإن قلقاً يسود أوساطاً سياسية من أن يكون الجنوب مجدداً مسرحاً للتفجير إذا لاحت في الأفق بوادر اتفاق نهائي أميركي – إيراني حول الملف النووي لا يحصل على إجماع إيراني في ظل اقتناع بأن العلاقة بين الرئيس الإيراني حسن روحاني والحرس الثوري لا تبدو معالمها محسومة الاتجاه والدفّة، تماماً كما هي الحسابات الإسرائيلية والمستجدات التي طرأت على المشهد الدولي في المواجهة المستجدة!

السابق
لماذا سُلِّمت يبرود؟
التالي
وول ستريت: البيت الأبيض يلغي قمة أوباما مع ملوك وأمراء الخليج