قانون الأحوال الشخصية أي مصلحة سيحققها للعراق؟

لست متأكداً من دوافع وزير العدل العراقي، حسن الشمري، في سعيـه الحثيث إلى تمرير مـشروع قانون الأحوال الشخصية الجعفري في الوقـت الذي يعاني منه العراق من مـشاكل معقـدة ليس أقلها التناحر الطائفي والتدهور الأمني والمشاكل الأخرى المتعلقة بهما والتي تمتد إلى دول الجوار العراقي.
صحيح أن الوزير الشمري، وقد عرفته رجلاً معتدلاً ومتفهماً لمواقف الآخرين المخالفة له، ينتمي إلى حزب الفضيلة الإسلامي، وكان رجل دين قبل دخوله عالم السياسة عام ٢٠٠٣، لكن الإصرار على تشريع هذا القانون الذي مرره مجلس الوزراء ومجلس شورى الدولة، ليس في مصلحة العراقيين، خصوصاً الشيعة منهم، وهو بالتأكيد يتعارض في كثير من مواده مع مواثيق حقوق الإنسان الدولية وحقوق المرأة السائدة في العالم.
وحتى إن نظرنا الى القانون من وجهة نظر دينية، فإن كونه مضراً بالمصلحة الوطنية العراقية والتماسك بين مكونات المجتمع وعلاقات العراق مع دول العالم، سيجعل عدم تشريعه ضرورة دينية أيضاً.
القانون سيضع العراق في مواجهة مع القانون الدولي ومنظمات الدفاع عن المرأة ومنظمات حقوق الإنسان العالمية المتنفذة في وقت يحتاج فيه إلى التعاون مع دول العالم أجمع في مجالات بعضها مُلح مثل مكافحة الإرهاب، والبعض الآخر يتعلق ببناء الاقتصاد العراقي على أسس رصينة. تعاليم الدين الإسلامي تضع المصالح العامة فوق الاعتبارات الأخرى حتى أن بعض المحرمات تصبح جائزة عند الضرورة.
يبرر الشمري تشريع القانون بالمادة ٤١ من الدستور التي تنص على أن «العراقيين أحرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية وفق دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم».
لكن هذه المادة هي في الحقيقة حجة عليه، لأن القانون الذي يقترحه يجبر أتباع الفقه الجعفري وغيرهم على الالتزام بالقانون إن طلب أحد أطراف الدعوى الالتزام به، أي أنه يعطي الحرية لطرف واحد ضد الأطراف الأخرى، وهذا يناقض النص الدستوري.
كما يبرر الشمري مشروع قانونه هذا بأنه يستند إلى الفقرة – أ – من المادة ٢ من الدستور التي تنص على أنه «لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام»، لكنه يتناسى الفقرة – ب – من المادة نفسها التي تنص على أنه «لا يجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديموقراطية»، وهذا القانون يتعارض في كثير من فقراته مع مبادئ الديموقراطية المعمول بها عالمياً، والتي تنص على المساواة بين الجنسين وحرية الأفراد في الاختيار.
ويتعارض مشروع القانون في شكل صارخ مع حقوق المرأة وحقوق الإنسان المتفق عليها دولياً والتي وقّع عليها العراق. كما أن المرجعية الدينية في النجف لم تؤيده، ولم يؤيده زعماء دينيون مؤثرون مثل مقتدى الصدر وعمّار الحيكم. وقد عارضته وزيرة شؤون المرأة، الدكتورة ابتهال الزيدي وهي إمرأة متدينة ومتشرعة. وعلمتُ أن رئيس الوزراء نوري المالكي قد عارض القانون ابتداء، لكنه سمح بتمريره لاحقاً معوّلاً على رفض البرلمان له مسقبلاً.
الغريب أن مجلس شورى الدولة، المتنوع دينياً ومذهبياً، قد أقر القانون، وقيل إن أحد الأعضاء في المجلس، وهي قاضية معروفة، وقعت على القانون مبررة ذلك بأنه لن يمسَّها، أو طائفتَها بسوء لأنها تنتمي إلى طائفة أخرى! هذا الموقف غير مسؤول وليس مهنياً لأن مهمة القاضي والشخص المهني هي النظر إلى مصالح الجميع وليس أبناء طائفته فقط.
المنظمات الدولية كلها تعارض هذا القانون، من الأمم المتحدة، التي عبّر ممثلها في العراق عن اعتراضه عليه، إلى منظمات حقوق الإنسان الدولية التي أصدرت بيانات في هذا الصدد. أحسب أن سبب إصرار الشمري على تمريره هو أنه ربما يظن أنها فرصته الأخيرة في أن يترك «بصمة» على القانون العراقي، ولا يريد أن تفوته هذه الفرصة خصوصاً أنها تتزامن مع الانتخابات البرلمانية، وربما يعتقد أن تشريع القانون سيجلب له بعض الأصوات في الانتخابات المقبلة بعد أن تراجعت شعبية حزبه كثيراً إذ تناقص عدد مقاعده النيابية من ١٥ مقعداً عام ٢٠٠٥ إلى ٧ مقاعد عام ٢٠١٠ وقد يتراجع أكثر في ٢٠١٤.
ربما يخضع الوزير لضغوط من قيادة حزبه لتمرير هذا القانون الذي يضر بالمرأة الشيعية قبل غيرها وقد يدفع بعضهن إلى اتباع مذاهب أخرى تعطيهن حقوقاً أكثر. لقد عُرف عن المذهب الجعفري أنه يعمل بمبدأ الاجتهاد الذي يتيح للفقهاء تجديد الأفكار وفق ما تمليه متغيرات الزمن ومتطلبات الحياة، غير أن مشروع القانون هذا يتعارض مع طبيعة المذهب وتأريخه القائم على احترام خيارات الأفراد وهذا يفسر قرب رجال الدين الشيعة من الناس.
الأزمة التي يمر بها العراق اليوم معقدة ومتعددة الأطراف، فمن التناحر السياسي ذي الصبغة الطائفية والقومية والمناطقية إلى التدهور الخطير في الأمن، إلى نقص الخدمات وتفشي البطالة وتدني البنية الأساسية للاقتصاد واعتماده كلياً على إيرادات النفط، مع الاعتراف بحصول تقدم كبير خلال العقد المنصرم. كما يعاني من مشاكل يفرضها الوضع الإقليمي من تفاقم الأوضاع الانسانية والأمنية في سورية إلى تدهور العلاقات مع بلدان مجاورة، ما يجعل العراق بحاجة إلى دعم المجتمع الدولي للخروج من هذه الأزمات الخطيرة.
غير أن قانون الأحوال الشخصية الجعفري سيُفقِد العراق التعاطف والدعم الدوليين اللذين يحظى بهما حالياً وسيجعل المنظمات الدولية المؤثرة في الرأي العام العالمي تتخذ منه موقفاً معادياً وتعمل على إقناع الدول والشركات باتخاذ مواقف سلبية منه. فهل العراق بحاجة إلى كل هذه المشاكل في الوقت الحاضر؟ وما هي المكاسب التي سيحققها القانون للعراقيين والعراقيات الذين لا يستطيعون حالياً التمتع بها؟
لم تثنِ القوانين المدنية الناس سابقاً عن تزويج أبنائهم وبناتهم وفق معتقداتهم وأعرافهم التي ألفوها، وقد تزوج آباؤنا وأجدادنا وفق ما تمليه عليهم تلك المعتقدات والأعراف، فلماذا نستعدي العالم وقطاعات واسعة من المجتمع العراقي، بمن فيهم أتباع المذهب الجعفري من أجل سن قانون ليست له حاجة فعلية؟ ولماذا الإصرار على هذا القانون إن كان سيجلب للعراقيين كل هذه المتاعب والمشاكل؟

السابق
هنا فقط ينتصر ‘حزب الله’
التالي
نائب رئيس بلدية عرسال: هناك من يحاول تصوير عرسال على أنها بؤرة إرهاب