الشام تبكي إبنها وفيق الزعيم في يوم وداعه

شيعت دمشق اليوم في موكب مهيب جثمان النجم وفيق الزعيم الذي فارق الحياة أول أمس في لبنان بعد صراع مرير من المرض. وشارك في مراسم التشييع نخبة من نجوم الدراما السورية ممن يقيمون علاقات أخوة وصداقة مع الراحل، وعدد من نجوم الفن الذين وإن لم يرتبطوا بتلك العلاقات المتينة معه إلا أنهم يعرفون قيمة الراحل في مسيرة الحركة الفنية السورية.

وتصدر وفد من نقابة الفنانين السوريين المشهد، وظهرت أكاليل الورود المرسلة من النقابة ومن وزارة الثقافة ومن وزارة الإعلام. كما وشارك في التشييع غفير من جمهور الدراما والفن بدمشق، وبخاصة محبو الدراما الشامية التي كان الزعيم واحدا من ابرز فرسانها في السنوات العشر الأخيرة. وأقيمت صلاة الميت على روح الزعيم في جامع علي بن أبي طالب بدمشق، قبل أن يتوجه المشيعون بالنعش إلى مقبرة الدحداح، المقبرة الأشهر في الشام.

وعبر عدد من نجوم الدراما السورية عن تأثرهم برحيل الفقيد واعتبروه رمزا من رموز الحركة الدرامية وبخاصة دراما البيئة الشامية، مثمنين علاقته بالعاصمة السورية التي جعلته يكتب عنها في الفن وفي الأدب على حد سواء.

سطور من حياة الراحل في يوم وداعه:

ظل على الكلمة نفسها حتى لحظة توقف قلبه عن الحياة “الشام”… تلك المدينة التي ما إن تسأله سؤالا عن أعماله أو حياته، الشخصية أو المهنية، حتى تسمعها محشورة بين الكلمات. وفيق الزعيم الشامي العتيق ينتقل إلى حياة الآخرة بعد صراع مرير مع مرض السرطان أقعده سنتين عن العمل برغم المشاريع التي لم يكن قد أنجزها وكان ينوي تقديمها لجمهوره ومحبيه، وتتعلق معظمها بدمشق التي قالها يوما: أتمنى أن أموت فيها. لكنه القدر الذي لا يروق له دائما الإصغاء على أمنيات الإنسان، فجاءت وفاته بعيدا عن العاصمة السورية، وإن كان لفظ البعد هنا مجازيا، لكون بيروت التي وافته المنية في إحدى مستشفياتها قريبة من الشام جغرافيا، وقريبة من فؤاد الزعيم مشاعرَ وأحاسيس وعواطف.

قد لا يهضم المتابعون أن أبو حاتم ( صاحب القهوة) في سلسلة باب الحارة بخمسة أجزاء سيلتحف التراب الى الأبد، وربما لا يهضمون الكلمة التي تلبس اسمه الآن ” مات”… وبخاصة أن الرجل يرحل قبيل أشهر قليلة من إعادة الحياة إلى سلسلة باب الحارة في جزئه السادس الذي يتم تصويره الآن ليعرض في شهر رمضان المقبل. قبل أيام قليلة، كان آخر تعاطي إعلامي أو تفاعل ثنائي بين الزعيم وباب الحارة.

أُعلن في الصحافة عن حلول الفنان سليم صبري بدلا من وفيق الزعيم لأداء شخصية أبو حاتم كصاحب للقهوة في حارة الضبع. كان ذلك إيذانا بإعلان الزعيم عدم قدرته على الوقوف أمام الكاميرا لاحقا، وعدم الظهور على الشاشة بعد اليوم إلا في مسلسلات قديمة يعاد عرضها بين حين وحين. إذا.. الموت بدأ قبل الوفاة، فحين يغيب أحد عرابي باب الحارة فهذا موت، ويبقى فقط إعلان ذلك، ما يمكن تسميته هنا ” وفاة”.

منذ ثلاثين عاما تقريبا دخل وفيق الزعيم عالم الفن في سورية، وتوجه إلى الدراما مباشرة، محضرا معه صوتا مختلفا عن أصوات الممثلين الذين يسعون إلى تنعيم اللهجة واللكنة على الشاشة، لكن الزعيم كان له رأي آخر, إذ دخل الإذاعة والتلفزيون بلهجة شامية قديمة جعلته يتميز بها عن سواه. في تلك الفترة وما تلاها، واجه الزعيم ملاحظات كثيرة من قبل الزملاء والصحفيين. قال له كثيرون: تحدث بلهجة عامة. لماذا اللهجة الحاراتية القديمة التي لن توفر لك فرصا كثيرة للعمل. كان للزعيم رأي آخر. أصر على اللغة واللهجة التي نطق بها منذ ولادته، وربما يكون الرجل قد عوّل على الزمن.

قال المستقبل كلمته، وهجمت الدراما الشامية منذ الألفية الجديدة وسيطرت على شاشات العرب قاطبة، وتلألأت اللهجة الشامية القديمة في أمسيات العرب الرمضانية. كان للزعيم حصة الأسد في كل تلك الأعمال. لم يغب عن مسلسل شامي واحد إلا إذا كان مرتبطا بمسلسل شامي آخر. أصبح يتلقى خمسة عروض لأعمال عن البيئة الدمشقية القديمة في وفت واحد، فيجهد في البحث والقراءة لانتقاء الأفضل.

وجاء باب الحارة وكان الزعيم فيه رقما صعبا، ثم تحول بعد الجزء الثالث إلى شبه زعيم لحارة الضبع، حتى قيل يومها على ألسنة بعض الممثلين الذين ابتعدوا عن المسلسل بقرار من المخرج، إن الوفيق الزعيم هو من كتب السيناريو ووضع لنفسه مساحة واسعة تمكنه من الخروج بلقب نجم في المسلسل. لم يهتم الزعيم للأمر وتابع مشاكسته في هذه الأعمال بل صاح يوما: أين كانوا عندما كنت أتحدث باللهجة الشامية حتى في المسلسلات الاجتماعية المعاصرة؟؟؟… بيئة الشام في الدراما تحتاج إلى لهجة شامية حقيقية وليست مصطنعة!

في العام 2009 طاف الزعيم أربعة عواصم غربية تم فيها تكريمه عن شخصيته في باب الحارة، وجرى له احتفال في الدانمرك قيلت خلاله كلمات لم يحظ بها أكبر ممثلي العمل. ومنذ ثلاث سنوات ارتأى وفيق الزعيم تطوير العلاقة بينه وبين بيئة دمشق، فقرر ألا يعمل في أي مسلسل إلا إذا كان دمشقيا يتناول بيئة الشام العتيقة. اعتذر عن أربعة مسلسلات في العام 2011 منها المعاصر ومنها التاريخي، وخلد إلى عزلة لم يفصح عنها لأحد.

داهمناه باتصال هاتفي كالعادة، فأسرّ لنا بما كان يقوم به أثناء الاعتكاف. قال: إني أضع اللمسات الأخيرة على كتاب من تأليفي يتناول اللهجة الشامية المحكية، وفيه إثبات على أن جميع الكلمات والألفاظ الشامية معجمية، وان المشقيين لم يقولوا كلمة عبر تاريخهم إلا ولها سند في النحو والإعراب. وسألناه عن باب الحارة، فأكد أن المسلسل متوقف، لكنه سيعود يوما ما وسيكون بوابة عودته إلى الدراما. هل يعني هذا أنك لن تعمل في أي مسلسل آخر؟ قال: عندما يعود باب الحارة سأعود. وقبيل أشهر قليلة اعلن عن عودة باب الحارة وتم تخصيص شخصية ابو حاتم لوفيق الزعيم، لكن ذلك تزامن مع تدهور حالته الصحية واضطراره إلى الإقامة في مستشفى ببيروت للاسشتفاء.

صبر المخرج والمنتج واسرة العمل على المرض كثيرا، لكن دون جدوى…حتى كان القرار النهائي قبل اسبوعين، بإيكال شخصية ابو حاتم للنجم سليم صبري، لتكون الترجمة الحرفية لهذا الإجراء: وفيق الزعيم لن يظهر على الشاشة مستقبلا. كنا على دراية بحالته الصحية الحرجة، وعلمنا من مصادرنا أنه يوشك على الرحيل، لكننا لم نشأ البوح بذلك بناء على وصية من وفيق نفسه… حتى كان السبت ( أول أمس) حيث تضاربت الأنباء عنه، بين من أكد وفاته، وبين من وضع الأمر في خانة الشائعة التي حصلت العام الماضي وقالت بوفاته قبل أن ينفيها جملة وتفصيلا.

إتجهنا إلى نقابة الفنانين واتصلنا بالنقيب السيدة فاديا خطاب التي كلمتنا بصوت امرأة باكية:” نعم توفي وأنا الآن أجري اتصالات لترتيب استقبال الجثمان على الحدود السورية اللبنانية”. إذاً، رحل ممثل دمشق، وهو وإن لم يتوفَ فيها، فحسبه انه سيدفن فيها حيث الإقامة الأبدية له، ويطيب لروحه ذلك بطبيعة الحال. وفيق الزعيم مولود في مشق في العام 1960 متزوج وله ثلاثة أولاد أبرزهم براء الممثل الشاب المعروف والذي ينتهج سبيل أبيه في التعاطي مع الفن من خلال سعيه لتركيب كركتر خاص به كما كان الأب الراحل.

السابق
الثورة السورية .. واللغز الأميركي
التالي
إقليم التفاح: 50 ألف مواطن بلا مستشفى