صور الشيعي الكريهة

ما من شيعي لبناني ، مناصر لطرفي الشيعية السياسية ، حركة أمل وحزب الله ، أو معارض لهما، يرضيه أن تتشوه صورة رئيس المجلس النيابي فيتحول إلى مادة للتندر والغمز الخبيث بعد كل عملية خطف وتحرير مخطوف في البقاع ، أو أن تتشوه صورة المقاومة فلا تذكر إلا مقرونة بصور وأحداث أخرى كترويج الكبتاغون والقمصان السود وزراعة الحشيشة والبؤر الأمنية وسرقة السيارات وغيرها من الصور الكريهة .

كل واحدة من هذه الصور تكفي وحدها ، في أي بلد ديمقراطي ، لإسقاط حكومة أو استقالة وزير مختص  أو شخص مسؤول، أو لإحداث زلزال في الحياة السياسية . لكنها مجتمعة ، في لبنان ، تمر مرور الكرام ، فلا يرف لأحد بسببها جفن ولا يندى له بفعلها جبين . فهل من المعقول أن يخفي المحيطون بالرئيس بري عنه كلاما كثيرا تتداوله الألسن في الشارع وحلقات التواصل الاجتماعي يغمز من قناة نفوذه في أوساط الخاطفين ؟ وهل من المعقول ألا تنتبه قيادات الشيعية السياسية إلى أنه كلما ارتكبت جريمة أو انتشرت موبقة يشار بالاصبع إلى من يحمل هوية شيعية ، شخصا كان أو منطقة أو قرية ؟
ليست المرة الأولى التي تظهر فيها آفة طائفية في لبنان. في ما مضى ظهرت لوثة المارونية السياسية ، وتجسدت في سلوك سياسي واجتماعي لدى أفراد من الطوائف المسيحية ، وكان لها انعكاساتها لدى الطوائف الأخرى ، فشاع كلام عن ضمانات لهذه وغبن لحق بتلك ، وبعدها لوثة السنية السياسية التي حمل لواءها مسلحو اليسار والمقاومة الفلسطينية ، والمشترك بين اللوثتين مزاعم لدى كل منها باحتكار حقيقة الانتماء الوطني واتهامات للفريق الآخر بالانعزالية  أو بالعمالة وشبهة الوطنية .
مع الشيعية السياسة بلغت الآفة ذروتها. صار انتهاك القانون محل اعتداد لدى أصحابه . يزهو المنتهك بنفسه ، “واثق الخطوة يمشي ملكا” ، يقترف الفعلة بعين بلقاء وحماية مؤكدة وضمانة مضمرة . لذلك تتكرر الفعلة ذاتها وتعاد مشاهد المسرحية ، الوجوه هي ذاتها واللاعبون هم أنفسهم وأسماء الأشخاص والقرى والأحياء . لكل موبقة آلية وأدوات ومنفذون .
 من الجريمة في مصلحة التعليم الخاص في تسعينيات القرن الماضي ، أي في بداية صعود الشيعية السياسية ، إلى اختطاف الطفل في زحلة ،البارحة بعد عقدين من الزمن ، أي في ذروتها ، صارت هوية الإجرام تتحدد بالانتماء المذهبي . كلما سرقت سيارة أو حصلت عملية سطو أو محاولة اغتيال أو نشل محفظة من يد سيدة أو عملية اختطاف لقاء فدية ، وكلما حصل اعتداء على دورية لقوى الأمن أو تجمهر اعتراضا على عمل دورية لليونيفيل ، أو ظهر سلاح غير شرعي ، تتجه الأنظار نحو هوية مذهبية بعينها ، لا يكفي لإخفائها قناع ولا بطاقة مزورة، حتى غدت هذه الصور المشينة طاغية على كل الصور الأخرى الزاهية لرجال أعمل ومغتربين وجامعيين وعباقرة من حسن كامل الصباح إلى رمال رمال .
حين تنحشر الشيعية السياسية بفضائح مناصريها تلجأ إلى كل الوسائل فترفع منسوب الكلام عن  بطولات المقاومة تسترا على تلك الصور الكريهة ، وتدفع التوتر السياسي إلى ذروته وتغرق البلاد في حمى نقاشات عقيمة حول الصياغات اللغوية للبيان الوزاري ، وتستدرج سلفيات أخرى إلى حلبة العنف المسلح ، أو تستدعيها إلى المنازلة خارج الحدود لتبرر التطرف الشيعي بتطرف سني ، وصولا إلى استخدام المعتقدات والمنابر الدينية والوقوف خلف المعممين والمشايخ والمفتين وسائر الرموز الدينية وتحويلهم إلى أدوات وتكليفهم بدفع التوتير إلى ذروته .
لقد جرب لبنان صنوفا مشابهة من التطرف القومي واليساري والانعزالي ، و استعصى عليها جميعا وعلى كل الغزاة ، كما استعصى على كل القوى والدول التي استهواها التدخل  في شؤونه أو استدرجت إليه . وإذا كان من درس أساسي يمكن للشيعية السياسية أن تتعلمه من تجارب سواها لتخرج من أتون التطرف قبل فوات الأوان ، فهو أن العنف ، العنف بالسبابة أو بالكلام أو بالسلاح أو بالمواقف ، ليس فقط لن يكون سبيلا صالحا لبناء الأوطان ، بل إنه هو الذي يدمر أصحابه ويدمر الأوطان.
السابق
هل تُهدي كردستان الديموقراطيةَ للعراق؟
التالي
طلاق ألين خلف وكارلو أيوب.. حقيقة أم شائعة؟