من قتل الضابط الفتحاوي جميل زيدان بمخيم عين الحلوة؟

مخيم عير الحلوة الملاصق لمدينة صيدا، وعلى تماس مع الديمغرافيا الشيعية جنوبا، والمحاط بشبكة حواجز للجيش على مداخله المختلفة، هو في الوقت نفسه قنبلة موقوتة يجري التحكم بتوقيت انفجارها. قنبلة زرّ تفجيرها خارجها. لذا يتراوح هدف اغتيال جميل زيدان بين حدّ المحافظة على مناخات التفجير وحدّ الذهاب نحو تفجير المخيم من الداخل في وجه الجيش والمحيط. وإطالة عمر الأزمة السورية جعل مخيم عين الحلوة في دائرة الخطر الوجودي.

ربما بسبب وظيفته الامنية والعسكرية في مخيم عين الحلوة، تلك التي أتاحت له وفرضته كصلة وصل بين حركة فتح والقوى الاسلامية وبقية الفصائل في المخيم، راح الكثيرون من ابناء المخيم يتساءلون عن الجهة التي تقف وراء اغتياله. فقد جرى اغتيال العقيد جميل زيدان ضابط العمليات الميداني في المخيم في وضح النهار ومن قبل مسلَّحَين اثنين كانا يستقلان دراجة نارية داخل المخيم.

ليست عملية الاغتيال الاولى التي تطال كادرا او ضابطا في حركة فتح داخل المخيم في السنتين الاخيرتين، ودائما كانت تتجه اصابع الاتهام الى مجموعات اسلامية مثل “جند الشام” او جماعة “بلال بدر” او غيرهم من المجموعات الاسلامية المتشددة. كما كان الحال اواخر العام الماضي مع اغتيال الفتحاوي محمد عبد الهادي عبد الحميد، الملقب بـ«السعدي»، الذي اتُّهِمَت احدى هذه المجموعات باغتياله، من دون ادلة قضائية ومن دون القبض على اي عنصر متهم ايضاً.

في موضوع الضحية زيدان الامر اكثر تعقيدا وغموضا، هو في المعادلة الفتحاوية الداخلية ضابط اساسي، وفي المخيم ايضا. البعض حاول ادراج العملية في سياق الصراع داخل هذه الحركة داخل المخيم، بين اكثر من طرف ساع لأن يكون رأس الحركة في المخيم: “اللينو، المقدح، ابوعرب…”. لكنّ اوساطا حيادية في فتح تستبعد هذا الاحتمال، من دون ان تنفي ان يكون الذي خطط للاغتيال واضعا هذا في خساباته، اي ادراجه في سياق الصراع داخل الحركة في المخيم.

هذه المصادر الخاصّة لـ”جنوبية” تُدرِج احتمال تورط احدى المجموعات الاسلامية باغتياله، بسبب نفوذ زيدان في المخيم، في خانة متقدّمة. لا سيما في تلك المنطقة الفاصلة، اي الحي الذي يفصل بين الصفوري والصفصاف، حيث تتمركز جماعة “أسامة الشهابي”، و”عصبة الانصار” وبقايا “جند الشام”. علما أنّ زيدان يأتي من بيئة اجتماعية وسياسية فلسطينية ينتمي معظمها الى فتح والجبهة الديمقراطية، وجبهة التحرير الفلسطينية، والجبهة العربية، في مقابل عصبية اسلامية جهادية تتوسع وتترسخ في محيط هذه البيئة.

سيمرّ – على الأرجح – هذا الاغتيال كسابقاته من عمليات الاغتيال التي جرت في عين الحلوة من دون أن يُعرف مُنفِّذُها. لكنّ الثابت أنّ هذا المخيم هو اسير معادلة غبّ الطلب امنياً. ويدرك الكثير من أبنائه انّهم يعيشون في معادلة امنية يجري التحكم بها من خارج المخيم، وأنّ فاعلية ابناء المخيم هامشية في مواجهة اي محاولة تخريب يمكن أن يتعرض لها.

يدرك هؤلاء أنّ نفوذ المجموعات الجهادية والملاحقة من القضاء، يتأتى من الخدمات المقدمة لها من خارج المخيم، ومن الطبيعي ان تسمع من أبناء المخيم أنّ الاجهزة الامنية والعسكرية الرسمية اللبنانية، فضلا عن حزب الله وغيره من أجهزة إقليمية، لها دور في حماية المعادلة الامنية في المخيم وصناعتها.

يقول احد ابناء المخيم لـ”جنوبية” إنّه “لو جرى استفتاء الفلسطينيين في المخيم حول السلاح في داخله، لوجدت أنّ الاكثرية الساحقة تريد التخلص من وجوده بعدما صار موجها الى صدورهم وليس الى صدر العدو، وباتت وظيفته ترتبط بكل شيء إلا فلسطين”.

ولا يُخفي آخر خوفا “من محاولة تفجير المخيم من داخله او في وجه محيطه”، مستحضرا تجربة مخيم نهر البارد. ويسأل: “من كان يتوقع من أبناء هذا المخيم أن تصل حاله إلى ما وصلت اليه، بأن تنجح مجموعة مسلحة في أسر المخيم وتفجيره في مواجهة الجيش؟”.

أسئلة عدّة لم تزل غامضة وغير واضحة حيال الاطراف التي شاركت في هذه الحرب وخطّطت لها. لكن ثمة اقتناع تخرج به من مشهد عين الحلوة اليوم، وهو مشهد متّصل بشريط من الصور من الماضي القريب والبعيد… خلاصته أنّ المخيم الملاصق لمدينة صيدا، وعلى تماس مع الديمغرافيا الشيعية جنوبا، والمحاط بشبكة حواجز للجيش على مداخله المختلفة، هو في الوقت نفسه قنبلة موقوتة يجري التحكم بتوقيت انفجارها. قنبلة زرّ تفجيرها خارجها. لذا يتراوح هدف اغتيال جميل زيدان بين حدّ المحافظة على مناخات التفجير وحدّ الذهاب نحو تفجير المخيم من الداخل في وجه الجيش والمحيط. تفجير من داخل المخيم بقرار من الخارج، وبالطبع من خارج لبنان.

وثمة من يؤكّد، في داخل المخيم، أنّ إطالة عمر الأزمة السورية جعل مخيم عين الحلوة في دائرة الخطر الوجودي.

السابق
شباب من الجنوب… عالهوية بسّ!
التالي
انتشار أمني كثيف على طول اوتوستراد الجنوب