عندما «ينشُد» عناصر «حزب الله».. الموت في سوريا

قبل ساعات قليلة من «رحيلهم» جلسوا حول طاولة صغيرة ينشدون الحزن وكأنهم على موعد مع الموت، وجوه فتيّة كانت لتليق بها الحياة حقاً فيما لو كانت بقيت على قيد الحياة، مشهد مُبكٍ ومؤثر يُدمي القلوب ويُعبّر عن حالات كثيرة تُشبه حالة كل من ابراهيم محمود عباس، علي عبد الحسن فرحات، علي احمد قصباني ومحمد حسن شحرور، أربعة شُبّان نعوا أنفسهم من خلال مقطع فيديو صغير لا تتجاوز مدته الدقيقة ونصف الدقيقة قبل أن تنعاهم الجهة المسؤولة… عن موتهم.

على جبهات الموت التقوا وعليها قضوا آخر ساعات من عمرهم، وجوه بدت وكأنها مرسومة بريشة الوجع، يبدأ أحدهم بإنشاد أغنية «أجمل الامهات التي انتظرت ابنها» يقاطعه صديقه «في الموت» مكملاً «وعاد من يبرود مستشهداً»، بعدها يعود شحرور ليتسلّم دفّة الانشاد ويقول: «وداعاً امي وداعاً امي، لن تريني بعد هذا اليوم»، لتنتهي بعدها الجلسة بجملة تخرج من أفواه الأربعة «الى الجهاد، الى الجهاد» ومعها ينقطع التصوير بشكل مُفاجئ لتتوقف بعدها الاحلام وتذوي على مشارف يبرود.

من البقاع الى الجنوب فالضاحية الجنوبية، اخبار الموت تتوافد بشكل يومي عن شبّان في مقتبل العمر يسقطون خارج حدود العقيدة فيتحوّلون الى «نجوم» موقتين من خلال التداول بصورهم من هاتف الى آخر قبل أن ينطفئ وهجهم ويصبحوا مجرّد ذكرى وتحتل مكانهم صور لـ«نجوم» آخرين، فيسكن وجعهم وألم فراقهم قلوب عائلاتهم وأحبّتهم، ووالدة نذرت عمرها لقطعة من قلبها وصبرت كل تلك السنين لتراه عريساً وإذ به يعود مُحمّلاً من بلاد لم تُرسل لها خبراً مفرحاً منذ بدأت الدعوات الى «الواجب الجهادي».

«يا تقبرني يا أمي نطرتك عريس يا عيوني جابوك محمّل يا ماما». تركع على رجلي فقيدها تقبلهما تتمنى لو انه لم يغادر المنزل ليذهب الى مصيره، تدعو له بالجنّة وبأن يُصبّر الله قلبها «يا آدمي يا حنون انت». مشاهد اصبحت شبه عادية ضمن بقع محددة من لبنان، ومعها لم يعد هناك من جديد يُقال، فكل العيون ذبلت ووحدها الاحزان تزايدت، حتى عودة الاجساد المحمّلة أضحت أمراً عادياً هي الأخرى، ووحدها والدة محمد كانت تغرق في تأمل جسد ولدها الممدد داخل المنزل وتمسح عن جبينه علامات الارهاق ما قبل الموت.

لم تعد تُشبه أحاديث الرجال في المآتم تلك الاحاديث التي تتناولها السيدات، اقلّه في الشكل، فأضحت لغة قاسية لكنها ممزوجة بالقهر والحنين، لا يُصدق ابن عم محمد أن رفيق عمره وسنين الطفولة قد ذهب الى غير رجعة «وعدتني بمشوار صيد بالبقاع رح يكون من العمر، هيك بتخلف بوعدك يا ابن عمّي». يُجمع بعض من تحلّق خارج منزل محمد على فقر الحال الذي يجمع بين هؤلاء الشبان الاربعة وغيرهم ممن يسيرون الى قضائهم بأرجلهم ويقول: «المصيبة بتجمع بالحياة والموت وما جمع بين «الشهداء» هو الفقر وقلّة الحيلة والتدبير».

أمس الاول انتشر مقطع فيديو صغير داخل بيئة محددة تنتمي فكرياً وعقائدياً الى «حزب الله»، ضم شباناً اربعة قبل ساعات قليلة من عبورهم آخر رحلات عمرهم، وكل من شاهده لم يُصدّق أن هناك من يذهب الى الموت بإرادته، بعضهم قال ان معظم هؤلاء يظنون أن عودتهم الى اهلهم مؤكدة وان مكوثهم على الجبهات السورية موقت أيضاً الى حين الانتهاء من المهمات التي توكل اليهم، لكن البعض الآخر يسرد قصصاً عن شُبّان يسيرون الى الموت بملء ارادتهم لدرجة يُربكون بها خصومهم، ودليلهم هو ما كان كتبه احد الناشطين السوريين المعارضين عبر صفحته على «الفايس بوك» يوم مقتل العنصر في الحزب مهدي ياغي «أتعاطف معه اليوم لكن نكمل الخصومة لاحقاً».

بالتأكيد أن علي، ابراهيم، محمد وعلي لم يُجبروا على الذهاب الى موتهم المحتّم لكن من المؤكد ان هناك من سهّل لهم هذا العبور وأقنعهم أنه الطريق الافضل للحياة التي تنتظر قدومهم، وهنا قد يتساوى النهج هذا مع النهج الآخر الذي يعد بحوريات العين لكن مع اختلاف بسيط في التطبيق لا في الجوهر، خصوصاً أن لكل من النهجين عقيدة تعتمد على الوصايا المصوّرة ، ووسط التناحر الدموي على جبهات الموت والقتل، كان والد أحد الشبان الأربعة يقرأ سورة الفاتحة عن روح ولده قبل أن يمسح بيده وجهه المُغطى بالدماء ويلتفت نحو شقيقه ويقول: «الحمدلله عم بقولوا انو بعد في عشرين جثة بيوصلوا بين اليوم وبكرا».

السابق
“يديعوت إحرونوت”: تحطم طائرة إستطلاع إسرائيلية
التالي
الراي الكويتية: ’تخريجة’ عربية للبيان الوزاري ترجّح تمريره اليوم وإنقاذ حكومة لبنان