دعم لبنان» أم سلطته السياسية؟

قدم مؤتمر «المجموعة الدولية لدعم لبنان» دعماً لفظياً لرموز السلطة السياسية، إلى جانب تعهدات مالية رمزية لا تتناسب مع متطلبات استيعاب النزوح السوري الضخم، فيما أُجِّل البحث في تسليح الجيش إلى مؤتمر لاحق

خاب ظن من كان ينتظر من اجتماع وزراء خارجية «المجموعة الدولية لدعم لبنان» في باريس، الأسبوع الماضي، أن يخرج بمقررات عملية أو تعهدات بدعم مادي للدولة والمجتمع الحاضنَين للنازحين السوريين، فضلاً عن تلبية، ولو جزءاً يسيراً، من حاجات الجيش التسليحية الحقيقية. لا قيمة للتأكيدات اللفظية الصادرة عن الاجتماع حول الحرص على استقرار لبنان وانتظام عمل المؤسسات الدستورية فيه و«تحييده» عن تداعيات الحرب السورية.

لا قيمة لها من دون دعم مادي لاستيعاب النازحين الذين زادت نسبتهم على ربع السكان المقيمين، ما فاقم الأزمة الاجتماعية المستفحلة أصلاً. فإلى الفرصة التي وفرها لوزراء خارجية الدول الكبرى للتفاوض حول الصراع في أوكرانيا، لم يقدم الاجتماع شيئاً سوى إعلان الدعم لـ«الشرعية» المتمثلة بالرئيسين ميشال سليمان وتمّام سلام، وللأجندة السياسية التي يلتزمانها.
تقاطعت معلومات العديد من المصادر عن أن المسألة الأوكرانية استحوذت على الجزء الأكبر من وقت الدبلوماسيين الغربيين والروس وجهودهم، ولم يتعدّ الاهتمام بالحدث اللبناني إلا كونه «تكريماً للبنان، يضعه في مكانة عالمية كبيرة»(!) بحسب الرئيس تمّام سلام، أو تظاهرة دعم سياسي «للشرعية الممثلة بالرئيس ميشال سليمان والرئيس تمام سلام»، كما قال المستشار الإعلامي لسلام، عبد الستار اللاز. في حديث لـ«الأخبار»، يقر الأخير بأن «لا نتائج عملية» للاجتماع، ويقول إن «الناس» أساؤوا فهم القصد من وراء الاجتماع؛ فالمطلوب أساساً هو «الدعم السياسي»، لا النتائج العملية، وإن سبب الحكم على المؤتمر بأنه «فارغ» هو توقع مساعدات «بكذا مليار دولار»، فيما «لم يكن مقرراً دفع المال» أساساً! بحسب اللاز، المهم في الاجتماع هو تشكيله «مظلة دولية لتثبيت الاستقرار في لبنان وتحييده عن المسألة السورية»، ولكن هل يتحقق ذلك بالشعارات أم بالدعم الفعلي؟
«المؤتمر بالدرجة الأولى حاضنة سياسية لا بد منها؛ فلبنان يتحمل أكثر من طاقته»، يقول وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس. يوجد برنامج لإغاثة النازحين، لكنه غير فاعل، «وكأنك ترمي المساعدات في البحر»، فلا جدوى لمساعدة النازحين السوريين دون دعم المجتمع اللبناني الذي يحضنهم، يتابع درباس، وينقل عن الرئيس الفرنسي وسائر وزراء الخارجية المشاركين «حرصهم» على لبنان، وقول أحد مسؤولي البنك الدولي في الشرق الأوسط إنه «دون المساعدة، لن نجد لبنان الذي نعرفه» في المستقبل القريب! رغم ذلك، ورغم أن ممثلي الدول المشاركة في المؤتمر حضروا «على أساس خريطة الطريق» التي وضعها البنك الدولي لدعم احتضان لبنان للنازحين السوريين، والتي تلحظ ضرورة توفير مليارين و200 مليون دولار للبنان ليتمكن من استيعاب النازحين (مقارنة بالحاجة لـ7 مليارات دولار بحسب وزارة الشؤون الاجتماعية)، كما يقول درباس، لم يجرِ التعهد إلا بـ40 أو 50 مليون دولار، أي ما يوازي خدمة الدين العام المترتبة على لبنان لثلاثة أيام فقط، بحسب رئيس مؤسسة البحوث والاستشارات كمال حمدان، في مقابلة مع قناة «الميادين»!
«لم نذهب لنتسول، بل لنوضح صورة الخطر» الذي نواجهه؛ إذ نشهد «نوعاً جديداً من الوحدة العربية، ساحة واحدة للفوضى في لبنان وسورية والعراق»، يقول درباس، ويؤكد أنه «بالرغم من أننا لم نحصل على المال حتى الآن، لكننا مشينا خطوة إلى الأمام، وإذا لم نصل إلى مبتغانا في أول الطريق، لا يعني ذلك أننا فشلنا». لكن التجارب السابقة مع الوعود الدولية بالتمويل لا تبعث على التفاؤل، فما الذي يدعو إلى توقع نتائج إيجابية فعلية هذه المرة؟ يجيب درباس: «كنا نشجع الدول المانحة على عدم توفير الأموال بسبب التهتك السياسي»، فلن يضع المانحون أموالهم في «سلة مثقوبة»، يقول. نسأل: هل تغير حال «التهتك» إذاً؟ يجيب: «لا»، لكن «الخطر القادم يجعل المشاكل الداخلية أموراً ثانوية»، فيمكن أن يصل عدد النازحين السوريين عام 2015 إلى 4 ملايين، ويمكن أن يسبب هؤلاء «حرباً أهلية»، «فمن يضمن ألا يكون بينهم من هو مع بشار الأسد؟». ويرى درباس في تهكم الرئيس نبيه بري على نتائج المؤتمر، باقتباسه قول المتنبّي «أنا الغني وأموالي المواعيد»، إحساساً من بري برجحان احتمال «تحويل المواعيد إلى أموال» فعلياً!
«ليس سراً أن مؤتمر الإليزيه لم يكن مخصصاً لجمع الأموال»، كتب الزميل خليل فليحان في «النهار»، ناقلاً عن سليمان قوله لهولاند ووزراء خارجية الدول الخمس الكبرى أن «المساعدات الدولية للبنان في شأن اللاجئين تبقى أقل بكثير من العبء الحقيقي»، محذراً من «أزمة وجودية» بسبب النازحين؛ ومع ذلك كان المؤتمر «بأبعاده وبما أُنجز فعلاً، سياسياً أكثر منه اقتصادياً»، كما قال كمال حمدان في مقابلته مع «الميادين»! «واضح أن التعهدات جد متواضعة»، يؤكد حمدان لمن «منّى النفس بالمليارات»، «فإذا بدأنا بأربعين أو خمسين مليون دولار»، تكون النتيجة «بضع عشرات ملايين»، لا أكثر. كذلك تؤدي الاعتبارات السياسية دوراً حاسماً في موضوع التعهدات ونوعها وكيفيتها، يشرح حمدان، مشيراً إلى «المسافة بين لحظة التعهد في المؤتمر المتلفز»، وبين الترجمة الفعلية للتعهدات، إذ تتحول التعهدات إلى مشاريع قوانين واتفاقيات مع مؤسسات دولية وسيطة، تؤدي فيها الاعتبارات السياسية الدور الأساسي. يضرب حمدان مثالاً على مؤتمرٍ عُقد للغرض نفسه قبل أشهر في الكويت، برئاسة أميرها، أُطلقت فيه تعهدات بدعم لبنان بـ«مئات ملايين الدولارات»، دون ترجمة فعلية. «من عاش تفاصيل ترجمة التعهدات إلى اتفاقيات لحظ في الكثير من الأحيان دخول الشروط السياسية والاقتصادية»، على عكس ما كان يظهره «الشكل والخطاب المعلن»، يقول حمدان، مؤكداً أن «أهم ما طُرح كان الدعم السياسي للتوجهات السائدة في السياسة الرسمية، أي النأي بالنفس، والاستحقاقات السياسية، الحكومية والرئاسية، وتوفير الدعم السياسي للجيش كأداة استقرار للنظام». حول النقطة الأخيرة، يشير ضابط متقاعد رفيع المستوى إلى «تدخل أميركي فوري لإجهاض تسليم سلاح نوعي للجيش، حماية لإسرائيل»، مستعيداً تجربة طلب الجيش من فرنسا صواريخ «كروتال» المضادة للطائرات عقب انتهاء الحرب الأهلية، فظلّ الفرنسيون يماطلون، ثم «اخترعوا فضيحة مالية» لإجهاض الصفقة. أقصى ما يمكن أن يعطيه الأطلسيون للجيش، بحسب الضابط نفسه، «سلاح عمره ثلاثون سنة، أو دبابات تقدر إسرائيل على إفنائها بسهولة وسرعة».
الكلام على دعم المؤتمرين للنمو «شعاراتي»، بحسب حمدان. «في خلفية التفكير، يجب أن يكون الصندوق صندوق هبات، لا قروضاً»، ينبه حمدان، ويحذر من «استسهال» تخصيص الأموال لدعم الاستهلاك، بدل اغتنام «الفرصة» لتمويل «المشاريع الرأسمالية الإنمائية غير المنفذة منذ عشر سنوات»، التي من شأنها أن تخلق فرص العمل، في حين أن إنفاق الدولة الاستثماري اليوم في حده الأدنى. ينتقد حمدان في هذا السياق «فلسفة البنك الدولي القائمة على التثبيت الاقتصادي stabilization»، أي كيفية إعادة المؤشرات الاقتصادية التي تدهورت منذ عام 2010 إلى سابق عهدها. «هذا لا يوصل إلى نتيجة»، يجزم حمدان، فدون إعطاء الأولوية للإصلاحات المؤسسية والسياساتية المطلوبة، لا يمكن توقع غير «زيادة الاضطراب الاجتماعي، واشتداد النزعة الطائفية الانغلاقية، ما يشكل ضربة لفكرة كيان لبناني واحد مندمج».

السابق
14 آذار .. الجمعة في البيال والسنيورة يعالج ’زعل’ شمعون
التالي
مسؤول إسرائيلي: نخشى استخدام الجماعات المسلحة بلبنان طائرات بدون طيار