ثلاثية رئاسية ناقصة

ثلاثية جديدة اقترحها رئيس الجمهورية ظنا منه بأنها تشكل بديلا صحيحا من ثلاثية حزب الله. لاشك أن الثلاثية الجديدة ، شعب و أرض و قيم مشتركة ،  تشكل تصويبا مهما وجوهريا ، لا لأنها حذفت ركن المقاومة من المعادلة فحسب ، بل لأنها حذفت الركن الثاني أيضا ، أي الجيش، الذي ليس سوى جهاز من أجهزة الدولة وأداة من أدوات ممارسة الدولة سيادتها على حدودها وعلى مواطنيها .

أكثر من ذلك ، كان فريق من أهل السلطة يتعامل مع الجيش كمؤسسة مستقلة عن أجهزة الدولة ، ولذلك طاب للحزب أن يجعل المقاومة قرينا للجيش وأسوة به ، أي على المسافة ذاتها من الدولة ،  وفي الحالتين تتكبد السيادة الوطنية وحدها الخسارة.

 وجود هذين الركنين معا في المعادلة  يعني أن ركيزة بناء الوطن ، في نظر أصحاب هذه المنظومة الفكرية السياسية ، هو العمل العسكري ، وهو بالضبط الذي  يفسر التقاء أصحابها مع الحكم العسكري في سوريا ومع كل حزب عسكري أو أمني في المنطقة والعالم ، ومع المتضامنين دفاعا عن النظام السوري .

 نقطة اللقاء اختصرت بمصطلح الممانعة الذي ليس له سوى معنى واحد هو إرجاء الموافقة على التسوية مع العدو بانتظار تعديل في موازين القوى ، وهو تعديل ينتظره حزب الله مع ظهور المهدي بحسب نظرية ولاية الفقيه ، مثلما ينتظر النظام السوري فرصة  الحصول على توازن استراتيجي مع العدو ، بالسلاح الكيماوي أو بالصواريخ البعيدة المدى ، أو مثلما يتوهم اليسار الشيوعي أو يأمل بعودة الاتحاد السوفياتي أو حتى روسيا القيصرية لمواجهة الامبريالية.

كما تكمن أهمية الثلاثية الرئاسية في تعبيرها الصريح عن انحيازها إلى الطابع المدني للدولة في مواجهة الطابع العسكري الواضح أو الديني المضمر في الثلاثية الأخرى. من هذه الزاوية ، كان من الطبيعي أن تلقى مبادرة الرئيس ترحيبا واحتضانا من  بعض القوى السياسة وأن تتعرض لهجوم من قوى أخرى. لكن من المؤسف أنه لا الإشادة بها ولا التهجم عليها كانا مبنيين على الموقف من الأبعاد المدنية التي تنطوي عليها ، بل على الموقف من ثلاثية حزب الله ومن سلاحه . أي أنها أدرجت في معمعة الصراع السياسي الراهن كواحدة من الشعارات التي راجت في عالمنا المعاصر دعما لبرنامج سياسي لا دعما لسيادة الدولة.

مقارنة بسيطة مع الثلاثيات الكثيرة ، وحدة حرية اشتراكية ، لحزب البعث ، مع إعادة ترتيب لها في الناصرية، الله والوطن والعائلة في حزب الكتائب ، وحدة تحرر ثأر ، خبز وعلم وحرية ، الخ ألخ . تبين أنها كلها شعارات ترسم نموذجا للوطن والدولة على قياس البرنامج الحزبي ، أو بما تقتضيه الضرورات النضالية والتعبئة لتجنيد الجمهور إلى جانب الشعار . الثلاثية الرئاسية لا تشذ عن هذا الاطار لأنها جاءت في مرحلة صعبة من عمر الأزمة ، وفي لحظة حرجة من عمر الرئاسة ، ولذلك تحولت إلى مجرد شعار تكتيكي يستخدم في إطار الصراع بين أنصار الدولة وأنصار الدويلة ، من غير أن ترتقي إلى موقف استراتيجي أو أن تستند إلى الأسس الدستورية .

الثلاثية الوحيدة التي قامت عليها الأوطان الحديثة والمعتمدة في صلب الدساتير وفي الأساس الصلب للقوانين ، هي ثلاثية الشعب والأرض والسيادة . والسيادة تعني سيادة القانون على الحدود وفي داخل الحدود . هذا الركن الثالث مغيب في الثلاثية الرئاسية ، وغيابه هو بالضبط نقطة ضعفها الكبرى التي يمكن أن يتسلل منها أعداء الدولة والوطن ليمعنوا في تفتيت وحدة الأرض ووحدة الشعب من باب الاستهانة بالسيادة وانتهاك الدستور والقوانين . كما أن استبداله بركن آخر ، تحت اسم “القيم المشتركة” هو الذي أضعف من قيمة الركنين الأولين ، ولا سيما أن الشعب منقسم حولها وأن حدود الأرض الوطنية مطاطة ، تضيق وتتسع مع ضيق واتساع المشاريع  المادون وطنية والمافوق وطنية ، ويصل الخلاف في ظل الاصطفافات اللبنانية الراهنة حد تهديد الوحدة الوطنية من الأساس .

  بين نوعين إذن من الثلاثيات ، واحد لتسجيل النقاط أو للمناكفة أو لربط النزاع مع الدولة ومؤسساتها ، وآخر لحماية سيادة الدولة ، كان على رئيس الجمهورية أن يتفادى الأول ويختار الثاني من غير تردد.

السابق
أنجلينا جولي سعيدة بإستئصال ثدييها
التالي
الأزمة الأوكرانية .. الحرب أم التسوية