نعم.. مع حريّة ابراهيم الأمين

من موقع احترام مواقف فخامة الرئيس الوطنية، وثانيا من موقع تقدير قانونية الخطوة التي اقدم عليها وزير العدل، وثالثا فإنا، ومن موقع "المتحسّس رقبته"، أعلن وبصوت مرتفع وقوفي إلى جانب حرية إبراهيم الأمين. وأنا على استعداد للمشاركة في أيّ خطوة يمكن أن تساهم في الحفاظ على حريته بالكتابة والعمل من اجل اسقاط الدعوى المقامة ضدّه.

لن اخفي عليك عزيزي القارئ أنّ لحظة شروعي كتابة هذه المقالة وانا اصارع قلمي، وعلى غير عادة مني أرغمه على السير في هذه السطور، ويدي التي ترتجف انما أُكرهها على الثبات. ولن اخفي عليك أيضا انني تردّدت مرات عديدة، وأنّ هذه المقالة هي واحدة من اكثر المقالات التي صرفت عليها عدد أوراق ممزقة، وعدد سجائر أيضا، فارجوك وانت تقرأ كلماتي هذه أن تعلم جيدا حالة الاضطراب التي انا فيها والناتجة عن صراع عميق بين الكتابة العقلانية المدفوعة بشعور رغبوي، وبين كتابة عقلانية محضة امارسها الآن ومعها “ادعس” على المشاعر والاهواء.

هذا لأنّني اعتقد أنّ مهمة الكتابة، خصوصا الكتابة الصحافية، ليست إسكات الأصوات الناقدة ولا الأقلام، حتى التهجميّة منها، وإن وصلت هذه الأقلام الى حدود التهديد بـ”تحسّس الرقاب”، او التخوين وكيل الاهانات والسباب. بل إنّ المهمة الأساس انّما هي اكساب القارئ القدرة على تفكيك الاحداث واستيعابها بوعي لا بالتلقي الببغائي.

فإذا سلّمنا بهذه المعادلة هذا يحتّم علينا مقاربة قضية ابراهيم الأمين والدعوة المقامة ضدّه بغير بضاعته. لذا، وبغضّ النظر عن الموقف من اصل القضية وبعيدا من مضامين ما جاء بمقالته وخلفياتها والمسبوقات السياسية اتجاهها او اتجاه كاتبها. ومن اجل الحاجة الملحّة الى تكريس وتقديم نموذج جديد لمفهوم حرية الرأي، تكون خالية من “ولكن”. ومن أجل حريّة رأي غير ملحقة بـ”إنّما”، التي تفقدها أيّ معنى، كما هو الحال في مجتمعاتنا الشرقية عموما، وخصوصا في عالم الصحافة. وحتّى لا تبقى مقولة فولتير الشهيرة التي قالها لخصمه اللدود هلفيوس: “أنا امقت ما تكتب ولكنّني على استعداد تام لأن أضحّي بحياتي من أجل أن تستمر في الكتابة.. حتّى لا تبقى هذه المقولة العظيمة مجرد “ستاتوس” نزيّن به حيطان صفحاتنا الفيسبوكية فقط. وكي لا نبقى في لبنان ننادي بمفهوم الدفاع عن الحريات بشكل مشوّه، فيحمل واحدنا هذا اللواء عند تعرّض من يوافقه الرأي للاستبداد او الملاحقة، ويتخلى عنه جانبا عند تعرض من هو بموقع الخصم، فأنا أعلن أولا من موقع احترام مواقف فخامة الرئيس الوطنية، وثانيا من موقع تقدير قانونية الخطوة التي اقدم عليها وزير العدل، وثالثا فإنا، ومن موقع “المتحسّس رقبته”، أعلن وبصوت مرتفع وقوفي إلى جانب حرية إبراهيم الأمين. وأنا على استعداد للمشاركة في أيّ خطوة يمكن أن تساهم في الحفاظ على حريته بالكتابة والعمل من اجل اسقاط الدعوى المقامة ضدّه.

لأنّ منظومة القيم ليست مجرّد شعارات فقط، بل هي اولا واخيرا ممارسة عملانية. فإذا كنّا راغبين بالتغيير فهذا يحتم علينا تقديم نموذج مختلف عن السائد. وإلا فأنّ كل ما نرغب به ونحلم بتحقيقه ليس أكثر من سراب.

السابق
سارة الهاني بحلة جديدة
التالي
صاروخ سوري على تلال جنتا