غالب فوز ينبش الأنتيكا ويعيش في خيال التحف

غالب فوز ابن بلدة كفررمان بالنبطية له هواية غريبة. يجمع ما يظنه تحفا أثرية ويعيش في نوستالجيا الى زمن لا يعرف عنه سوى ما يتعثر به بين ميناء صيد هنا أو حقل هناك، ليبني في خياله صورة متحف يعيد الحياة الى زمن مفقود. ولسان حاله: التكنولوجيا ستجعلنا ننسى أصلنا!!

يبحث غالب فوز ابن بلدة كفررمان الجنوبية عن تاريخ الشعوب القديمة، على مرفأ الصرفند حيث يقف عشرات الصيادين الذين غالباً ما تعلق بشباكهم جرار وفخاريات. يقف فوز يراقب “غلّه” الصيادين عله يتعثر بفخارة فينية او قطعة كنعانية. فمدينة صور كانت فينقية المنشأ وكانت مركزاً تجاريا رائداً، قصدها العديد من أبناء الحضارات المصرية والكنعانية لتبادل التجارة.

مرة علق تمثال مصري فرعوني قديم بشباك احد الصيادين، لكنه كان مكسورا قطعتين، ومرة عثر صاحبنا على شختورة فينيقة قديمة العهد عليها ﻻسوم 12 بحاراً وريسها”.
يتحدث فوز عن علاقته بتلك الهواية، فيصفها بأنها “نبش التاريخ” يسعى من خلالها “لمعرفة كيف عاش القدماء، لأني أخاف أن يأتي يوم وننسى تاريخنا وتراثنا وحضارتنا. فجيل اليوم لا يهتم الا بعصرنة الحياة، والتكنولوجيات التي سلبته من كل شيء”.

تربَّى على الأصالة، يقول. أمام منزله تتعثر نظراتك بـ”مرسى” فينيقي يعود لسفينة قديمة لا تزال علامات البحر عليها. بقربه يوجد حجر كبير جدا. “انه كنعاني”. يشير فوز الى انه “جزء من كنز لا يدركه الا قلة”. تعلُّق فوز بالقديم نابع “من كوني ابن قرية تربى على الاصالة”، فقرب منزله يقبع منزل عائلته القديم جداً والذي داخله تتعرف إلى محتويات بيت الضيعة. لا تزال الكبكة معلقة في السقف وهي كانت بمثابة براد “ع الطبيعة”. يردف فوز: “في الأرض تجد فخاريات وجاروشة القمح والنملية وصورة رجل محارب من البازلت الأسود  قديمة يحرص على حمايتها”.

من صغره يهوى القديم والتراث. حين يعثر على حجر في الحقل أثناء رحلة صيد، ويلفته شكله يأتي به الى منزله، حتى أنه صنع من الحجر “تحية الكشاف” التي خسرها زمن الإحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان.

ترك هوايته فترة طويلة بسبب سفره بين ليبيا والسعودية والعراق، وما إن عاد الى لبنان حتى استعاد ألق هوايته “نبش التاريخ” كما يحب تسميتها.
هواية “تعرفني على تاريخي وتاريخ الجدود، أخاف أن يموت مع الزمن والآلة، لذا أجمعه ليبقى حاضرا في ذهني وذهن أولادي وأحفادي ليخبروا عنه على الدوام”. لم يكتف فوز بتراث “الضيعة” بل فتح أفقه نحو البحر لأنه “أوسع” وفيه تاريخ غني هو “السر” الذي أسعى لإكتشافه. شكل مكوثه في الصرفند قرب البحر رافدا له للتعلق به: “ابحث دوما عن المغامرة، كنت أسأل ماذا يخبئ البحﻻ في قلبه”.

دائما كان يقصد الصيادين ليرى إن كان يحظى بصيد ثمين. وغالباً ما كان يعثر الصيادون على جرار ومقتنيات قديمة تعود للسكان القدامى، الذين سكنوا صور قبل قرون” ولشدة تعطشه الى هذه المعرفة خصه الصيادون بها. أول قطعة حصل عليها كانت تمثالاً فرعونياً طوله 20 سنتم وبعض الجرار القديمة جدا التي أكل الصدف بعضا من ملامحها.
في جعبة فوز أكثر من 30 قطعة بحرية ذات قيمة كبرى  أبرزها جرة قديمة حلزونية، وجرن روماني قطره 60 سنتم. .الى الجانب المرسى الخاص بالبواخر والذي يعود الى العهد الفينقي، حجر معصرة فينقي  قديم، حجر أسود يجهل فوز وجهة إستعماله، وهو منحوت من حجر البازلت، اضافة الى “أكواز” نحاسية كانت تستعمل إما للكحل أو للعطر، أباريق صغير باللون الأسود.

يقر فوز أن هوايته “صعبة” لكنها دّلته إلى الكثير من الأسرار: “القدامى كانوا يصنعون كل ما يحتاجونه، كانوا يفكرون ويبحثون كثيرا عكس اليوم، حيث كل شيء يأتي جاهزا، وكانت صناعتهم من التراب والحجر ومن الأشياء البسيطة جداً”.

وبحسب فوز فإن الجرار “كانت تصنع لتبية حاجاتهم ولأكلهم بعيداً عن الكماليات عكس اليوم إذ أن الكماليات تطغى على الأساسيات”.
غالباً ما يعيش فوز في مقاربة بسيطة، بين نمطين من الحياة. يضع أمامه عدة الفلاح التي تعود الى أكثر من مئة عام. وينظر الى عدته اليوم “التطور سلبنا قيمها”.

السابق
الجيش: تفجير ذخائر غير صالحة في محيط بلدات جنوبية
التالي
حماده: سليمان يمثل لبنان ولن تقلل هجمات حزب الله من وهجه