سلاح الآخرين

هناك من يقول ان الغارة الأخيرة على مواقع «حزب الله» في شمال البقاع اللبناني تفرض على الجميع الالتفات الى اسرائيل باعتبارها الخطر الحقيقي والوحيد الذي يهدد لبنان. عليه، يجب التغاضي عما يجري في سورية وعن دعم الحزب لنظام بشار الأسد والاهتمام بكيفية منع المزيد من الاعتداءات الاسرائيلية على السيادة اللبنانية.
يحاول أصحاب الرأي هذا البناء على ركام إجماع وطني انتهى منذ زمن بعيد. اسرائيل خطر على لبنان، لكنها اليوم ليست الخطر الداهم والأبرز. هذا ما يمكن فهمه، على الاقل، من سلوك حلفاء النظام السوري في لبنان الذين حشدوا كل طاقاتهم لقتال «التكفيريين» والارهابيين. يقابل هذا الموقف آخر يقول أن بقاء حكم آل الأسد في دمشق وجرّ اللبنانيين الى المزيد من الانخراط في الصراع في سورية، هو الخطر الحقيقي حالياً.
الأهم من ذلك، أن إنشاء إجماع جديد حول أولوية التصدي لاسرائيل لن يكتب له النجاح. فجزء كبير من اللبنانيين لم يعد مستعداً لسماع قصة الذئب الاسرائيلي الشرير فيما يشاهد يومياً مجازر ترتكبها القوى الطائفية المسلحة. والحال ان ثمة اسطورتين ما عادتا قابلتين للتوظيف في صوغ نظام حكم سوري أو لبناني. أسطورة «المقاومة والممانعة» في وجه العدو الاسرائيلي التي يجب ان ترخص من أجلها كرامات وحيوات لبنانيين وسوريين وفلسطينيين، وأسطورة النظام الممسك بالسلطة منذ أكثر من خمسين عاماً ولا همّ له غير التصدي لمؤامرات الأميركيين والاسرائيليين.
يفضي هذا الى سؤال لم يعد من مفر من طرحه: ما معنى جلب المزيد من السلاح السوري والإيراني الى لبنان وهل يفيد هذا في مواجهة لبنان للخطر الاسرائيلي؟
الجواب الذي يرغب مروّجو السياسات الايرانية والسورية التأكيد عليه هو ان كل قوة في مواجهة اسرائيل، تصب قطعاً في خدمة لبنان وسيادته واستقراره. بيد أن الاعوام التي أعقبت حرب تموز (يوليو) 2006 كانت النقيض التام لهذه المقولة. ذلك ان كل سلاح دخل ترسانات «حزب الله» كان يؤدي الى المزيد من الاختلال في التوازن الوطني وارتفاع درجات الاستعلاء والاستقواء على اللبنانيين الآخرين، وبالتالي تدهور ما تبقى من مقومات «العيش المشترك».
يضاف الى هذا سؤال آخر عن الوظيفة الحقيقية للسلاح المتدفق. الحوار العقيم الذي بدأ بين الفرقاء اللبنانيين في 2005 حول الاستراتجية الدفاعية وإصرار «حزب الله» على إبعاد سلاحه عن أي نوع من أنواع شراكة الدولة اللبنانية في الاشراف عليه أو على القرار باستخدامه، لا يترك مجالاً للشك في الوظيفة الاقليمية للسلاح وفي انه يخدم سياسات اكبر من مصالح لبنان. وهو، على كل حال، ما أعلنه مسؤولو الحزب في أكثر من مناسبة.
والمشاركة الكبيرة لقوات «حزب الله» في الحرب السورية ورفض أي بحث في سحبها بعدما بات جلياً حجم الضرر الذي تلحقه المشاركة هذه بالوضع في لبنان، يؤكدان على السمة الاقليمية العابرة للحدود لسلاح «حزب الله». الوظيفة والسمة هاتان، لا تخدمان بالضرورة المصالح اللبنانية العليا، كما بينت حرب تموز والحرب السورية والتهويل على القوى السياسية المحلية اللبنانية وابتزازها في مسائل تشكيل الحكومة وغيرها.
لذا، ينبغي التشديد على الفارق بين الدفاع عن لبنان وخدمة المصالح الخارجية عبر هذا السلاح، والاعتراف انه لا يزيد منعتنا- بل على العكس- في وجه الأخطار التي يتعرض لها لبنان والتي يصدر قسم كبير منها من مغامرات رعناء ضد الشعب السوري وثورته.

السابق
سكان اليرموك: اتركونا نخرج أو اقتلونا
التالي
حريق كبير في سيتي مول