من للضاحية بعد هجرها؟

بلغ عدد التفجيرات في الضاحية الجنوبية منذ صيف 2013 حوالي ستة، اضافة الى اكثر من 3 في الهرمل. هذا العدد الكبير من القتل المتنقل أرعب الناس ودفعها للبحث عن الأمان. كيف؟ والى أين؟

“تتميّز بئر العبد حاليًا، بالكثافة السكّانية اللّافتة وكثرة المحال والأسواق التجارية والمصارف، وهي تتبع عقاريًا لحارة حريك التي تبلغ مساحتها 1،82 كلم2، ويُقيم فيها معظم كوادر المقاومة الإسلامية”.

هذا مقتطف من نص كتب حول الضاحية في مرحلة ما بعد 2006 وما قبل 2013، فرغم الدمار الهائل الذي اصاب الضاحية حينها لم يحصل ما ظنه البعض من هجرة سكانية للمنطقة، حيث خاف التجار على مشاريعهم الاعمارية واعتقدوا للوهلة الاولى ان اعمالهم باتت في طي الجمود. الا ان الحركة اخذت بالتصاعد وتهافت ابناء الجنوب والبقاع وبيروت على الشراء داخل احيائها مما ادى الى الغلاء في الحركة التجارية والاعمارية وارتفعت اسعار الشقق بشكل خيالي.

ولم يعد سكان الضاحية يخرجون منها للتجارة والتسالي والسهر والحفلات والاعمال بل انها باتت عالما قائما بذاته من النمو والازدهار وانتشرت بشكل كبير جدا المقاهي والاستراحات والاماكن الترفيهية وان كانت مضبوطة بسلطة المشرفين على اجوائها العامة من سياسية ودينية وفنية.

وحصل ما لم يكن بالحسبان، ووقع المحظور. حيث ان حركة معاكسة ظهرت بعد اكثر من ست سنوات على تدمير الضاحية واعادة اعمارها “أجمل مما كانت”. وما كان مصدر فخر واعتزاز ومدعاة انتماء الى هذا الحيّز المكاني الصغير الذي كان يرمز الى ما تصل مساحته الى حجم قارة- صار مصدر رعب لأهلها!

فبعد اول تفجير في صيف2013 اي تفجير بئر العبد اصيبت الجماهير بالرعب والخوف لان ما كان يجمعهم هو الامان والراحة والاسترخاء بأن ثمة عيون ساهرة علينا. فلو رأوا كل انواع المتفجرات- قبل هذه المرحلة ما كانوا لينهّموا لان “عيون حزب الله ساهرة علينا”. وهو جزء من قناعة مترسخة ليس فقط لدى جماهير الحزب وابناء الضاحية وسكانها، بل لدى الآخر البعيد من مختلف الفرق والانتماءات.

أمن الحزب جعل الناس تنام على حرير رغم وقوع عدد من الاختراقات التي حصلت كبعض الاغتيالات لكوادر في المقاومةالاسلامية.

لكن بعد ذلك ماذا حصل؟ هل ضعفت ثقة الجماهير بأمن الحزب؟؟

لا يمكن رصد هذه التغيرات بقوة لان الناس لا تعبر عن رأيها الحقيقي تجاه الموضوع وتربط أي خلل بالشخص نفسه كما حصل مع القيادي غسان اللقيس الذي اغتيل في منزله في الحدث، فهو رغم كل أهميته ودوره في العمل الاستخباراتي “الا انه اهمل حماية نفسه او أهملت حمايته بحجة تواضعه وايمانه بالغيبيات الحمائية وهذا كله لا يمكن القبول به لدى قيادة حربها أمنيّة اكثر منها عسكرية.

ان الفشل الذي يصيب الحزب أمنيا ضربة لا يقبلها جمهوره ولا يعترف بها بل يجدها نصرا. وهذا ما يبرر به هذا الجمهور العدد الكبير من التفجيرات التي طالت الضاحية منذ تموز 2013.

وهذا الامر الضخم الذي أقلق الناس دفعها لان ترحل عن “قدسها” الى الجنوب خوفا على الاولاد والعائلة وهو حق لهم. وخرجت الجماهير الى ما يعتقده الجميع أن ارض الجنوب باتت(أأمن أرض).

لذا، بتنا نلمح على مداخل الابنية وعلى حوائط المحال التجارية، وفي كل مكان عروضات ورقية صغيرة عن بيع لشقة هنا، وشقة هناك، بأسعار مغرية وفي احياء كان من الصعب ان تجد هذه الاسعار. وباتت ضاحيتنا وحيدة وحزينة وغير آمنة وانقلبت الاية ولم يبق فيها الا من لم يخنها لاسباب مادية أو خاصة.

وغصّ الجنوب بالعائدين اليه من ضاحية ملكومة لدرجة بات معها ايجاد غرفتين للايجار عاديتين امرا صعبا. وهنيئا لمن يملك مرقد عنزة في الجنوب.

ومن لم يبع بيته، ارتحل عنه الى منزله الصيفي القروي مؤقتا لعام او لعامين منذ اول انفجار والى حيث الراحة وان كان القلق يأكل الناس على من بقي هنا في احياء الفقر والعمل والعوز.

فالضاحية كما بيروت كانت ولا تزال ام الفقير تحضنهم بيديها الكبيرتين.

فهل عادت الضاحية الى صورتها الاولى؟

وهل ان الزحمة التي كانت تعتاش منها العوائل الفقيرة من خلال العربات المتنقلة كعربات الخضار والالعاب، والخردوات، وحركة السيارات والفانات، والمجال التجارية الصغيرة تدفع الثمن مرتين؟؟

السابق
الرئيس الأوكراني المؤقت يدعو الى التهدئة
التالي
الإخبارية السورية”: انفجار في شارع الاهرام بحمص وانباء عن سقوط ضحايا