عن مقاربة المسألة العلوية بين السوريين اليوم

تنتشر بين السوريين اليوم، أقله بين الفاعلين منهم في وسائل التواصل الاجتماعي، مقاربتان أساسيتان لقضية علويي سورية، وكلتاهما لا تقود إلى بناء أرضية من أجل سورية لجميع السوريين.
ترتكز الأولى على خطاب طائفي إقصائي انتقامي، يقولب العلويين ويضعهم جميعاً في سلة واحدة، ويعبر صراحة عن الرغبة في إبادتهم أو استعادة تاريخ اضطهادهم، وصولاً إلى سن قوانين تمييزية ضدهم، بل حتى إجراءات عنصرية تلعب على نكء جراح ذاكرتهم الجمعية بما يعزز سرديتهم المظلومية، تبدأ من إبعادهم عن المناصب العليا في الدولة السورية ولا تنتهي عند منعهم من المشي على الرصيف!
أما المقاربة الثانية، فترتكز على خطاب إنشائي فارغ، لا يريد أن يرى المشكلة، ولا أن يعترف بالموقع الامتيازي للطائفة العلوية في بنية النظام السوري اليوم، أو بالعصبية الطائفية (أو ربما القلق الوجودي) التي جعلت معظم العلويين يلتفون حول نظام الإجرام والاستبداد الأسدي ومشاركته في ارتكاب مجازر وانتهاكات قد يكون فعلاً من الصعب حصرها.
الخطاب الأول لا يحتاج إلى تفنيد، فمن نافل القول إنه يقود سورية إلى حلقة مفرغة من العنف والعنف المضاد، من الاضطهاد والاضطهاد الانتقامي، ويتنافى مع أبسط مفاهيم المواطنة التي قد تقود إلى بناء هوية وطنية ترتكز عليها دولة – أمة سورية. أما الخطاب الثاني فيتجاهل أن الاعتراف بالمشكلة هو شرط معالجتها الشارط، فيفضل أن يدفن رأسه في رمال أمثلة ارتجالية وضروب مساواة فارغة، تضع الجميع في سلة واحدة بعيداً من الراهن السوري، كتشبيه سد بشري نظمه علويون في حمص لمنع وصول المساعدات الغذائية إلى الأحياء المحاصرة بمسيرة مؤيدة في حي حلبي سنّي تقطنه غالبية مؤيدة للنظام.
بتقديرنا، مسيرة حلب المؤيدة من الأدلة البارزة على انتفاء وجود عصبية سنّية مقابلة للعصبية العلوية في سورية حتى الآن، وحتى في الأوساط المقاتلة للنظام، لم تتبلور حتى الآن عصبية سنّية متينة، والقتال بين تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) وفصائل إسلامية أخرى خير دليل (لكن غياب العصبية السنّية ليس حتمية تاريخية، والمقبل من الأيام قد يشهد تغيرات على هذا الصعيد – وإن كنت شخصياً أستبعدها في المدى المنظور لمصلحة عصبيات جهوية غير طائفية بين السوريين السنّة).
في المحصلة، لا أعتقد أن مقالاً واحداً سيكون قادراً على طرح حلول لمشكلة متجذرة وواسعة الانتشار في المجتمع السوري، لكنني في المقابل أعتقد أن الخطابين أعلاه لا يقدمان أي حل بل يعمقان المشكلة، سواء عبر صب الزيت على نار الطائفية، أو عبر ضرب المثل باستثناءات لا تنفي قاعدة مستفحلة ولا يمكن تجاهلها، وللأسف الموقف الثاني يصدر في معظم الأحيان عن نخب سورية يفترض بها أن تتصدى للمشكلة، لا أن تنفي وجودها من الأساس.

السابق
بوتين الأوكراني – السوري
التالي
الدب الروسي الجريح في كييف… أسد في دمشق!