هكذا خرّبت السياسة علاقة اللبنانيين بالفلسطينيين

والسؤال الذي طرحه عدد من المراقبين: ما هي اهداف المخططين للتفجيرات في لبنان من اختيار فلسطينيين؟ سوى توسعة الشرخ الفلسطيني اللبناني من بوابته ليس السياسية، بل المذهبية؟ كون الانتحاريين يعيدون قرارهم بالتفجير الى اسباب دينية ذات طابع تكفيري.

الحساسية المتبادلة بين اللبنانيين والفلسطينيين تتزايد بشكل كبير في لبنان، وتحديدا في محيط المخيمات، رغم أنّ الوجود الفلسطيني في لبنان قديم، منذ النكبة في العام 1948.

وقد كان لسياسة السلطات اللبنانية المتعاقبة دورا اساسيا في تهجير الفلسطينيين نحو البلدان التي تقبل بهم كمواطنين.  لكن كان لأيلول الأردنيّ الأسود العام 1970 دوره في  ازدياد المخاوف من اضطهاد اضافي، بحسب الباحثين. كما ساهمت الحروب الأهلية اللبنانية في توسعة هامش اللاإندماج الفلسطيني في لبنان، بعد انخراط القوى الفلسطينية في الحرب مع طرف ضدّ آخر، ما زاد في التحريض ضد الفلسطينيين أيضا وايضا.

والتحريض هنا لم يقتصر على الجوانب الإعلامية أو السياسية، فبعد خروج منظمة التحرير من لبنان عام 1982 تعرّض الفلسطينيون إلى أسوأ الظروف لجهة الخوف على المصير. فقد خسروا سلطتهم التي كانت تحميهم، والتي كانت دولة داخل الدولة اللبنانية. وانقسموا اتجاه القضايا كلّها، تماما كما انقسم اللبنانيون اتجاه الفلسطينيين. منهم من وقف إلى جانبهم، ومنهم من طالب برحيلهم. وبين حالتي الانقسام اللبناني وقعت مجازر صبرا وشاتيلا، ما عزّز الشعور الفلسطيني بالخوف.

وكان أن ساهمت استقلالية المخيمات الأمنيّة في تعزيز مشاعر التمايز عند الفلسطيني واللبناني على حدّ سواء، الأوّل لجهة الحماية الذاتية، والثاني لجهة الاعتراض على التمايز الفلسطينيّ عن اللبناني.

وكشفت المعارك بين القوى الفلسطينية وحركة “أمل” في ثمانينيات القرن الماضي سهولة تأليب الرأي العام المسلم (الشيعي والسني) ضدّ المخيمات في بيروت وليس فقط ضدّ سلاح الفلسطينيين، وتأليب الفلسطينيين ضدّ الشيعة بما تمثله حركة “أمل”. ومن الطبيعي أن تنجم آثار سلبية على المستويات النفسية، والاجتماعية، والعلائقية رغم نسبة التزاوج العالية بين اللاجئين والمضيفين.

ومن أبرز تلك الآثار الشعور بالنبذ المتبادل، إذ يشعر الفلسطيني بأنّ المطلوب لبنانيا التخلص منه ومن مخيماته التي يسكن فيها على مضض. في المقابل يشعر اللبناني أنّ الفلسطيني هو المسؤول عن الخسائر البشرية والمادية والاقتصادية التي حلّت به.

وقد كان الجنوب ساحة التوافق اللبناني الفلسطيني بسبب المقاومة ووجود اللاجئين في القرى الجنوبية خلال الخمسينيات والستينيّات وبداية السبعينيّات. لكنّ العلاقة توترت بسبب تصرفات بعض الفصائل الفلسطينية التي تحمّل تبعاتها بعض أاهل الجنوب، وبسبب تحالف المقاومة الفلسطينية مع الحركة الوطنية التي كانت على خلاف كبير مع حركة “أمل”.

اليوم يدخل العامل السوري سببا آخر في الخلاف الفلسطيني – اللبناني، بسبب دخول حزب الله طرفا في المعارك الدائرة هناك، داعما النظام الأسدي ضدّ مواقف القوى الفلسطينية المختلفة حول الثورة السورية.

وابرز الخلافات كان بين حركة “حماس” وبين “حزب الله”، كقوى إسلامية.

وكان ان دفع الفلسطينيون مرة جديدة  ثمن مواقفهم من المعارك الدائرة في احدى الدول التي تحتضنهم. وحوصر اهم مخيم بين لبنان وسوريا: اليرموك. ومات فلسطينيون جوعا، وان لعب تدخّل بعض القوى المؤيّدة للنظام دوره في فكّ الحصار عنهم ولو جزئيا.

لكن في لبنان قصة أخرى. فمشاركة بعض الفلسطينيين في اعمال انتحارية باسم الدين والمذهب كانت قد دفعت مجددا وبقوة نحو الاستنفار اتجاه سكان المخيمات. ورغم أنّ القوى السياسية الفلسطينية استنكرت ونفت تأييدها أو دعمها هذه التوجهات، معلنة أنّ بوصلتها هي فلسطين، الا أنّ الوقع مختلف كليّا على المستوىة الشعبي. فالأخبار والتسريبات تلعب دورها. ويبرّر المعنيون مشاركة الفلسطينيين في الاعمال الارهابية ضد لبنانيين بأنّها “ليست الا حالات فردية لا تعبّر عن موقف الفلسطينيين”.

لكنّ اللبناني يجد ان للعامل المذهبي دوره. فالتشدّد الديني يعمل على غسل ادمغة الشباب الذين من المفترض توجيههم للاستشهاد ضدّ الكيان الاسرائيلي، وليس ضدّ من دعمهم. فكانت ردّة الفعل تحميل أبناء المخيمات كلّهم وزر بعض الارهابيين.علما ان تنفيذ العمليات الانتحارية الاخيرة في بيروت والهرمل لم يكن لبنانيون بمنأى عن تنفيذها

والسؤال الذي طرحه عدد من المراقبين: ما هي اهداف المخططين للتفجيرات في لبنان من اختيار فلسطينيين؟ ربما توسعة الشرخ الفلسطيني اللبناني من بوابته المذهبية لا الوطنية ولا السياسية؟ لكون الانتحاريين يعيدون قرارهم بالتفجير الى اسباب دينية ذات طابع تكفيري.

على ان التكفير كما التفكير لا هوية وطنية او اثنية له، التكفير عابر للحدود والقوميات، وان كان له تداعيات خطيرة على مجتمعاتنا فهو
ينجح الى حدّ كبير في دفع القضية الفلسطينية نحو اسفل سلم الاولويان ليس لدى العرب عموما بل حتى ابناء القضية المباشرين منهم .

السابق
لقضاء باشر التحقيقات في حادثة فرار السجناء الثلاثة من رومية
التالي
ثنائية شرق غرب: كيف نوازن بين الذاكرة والمشهد؟