تأمين تلاميذ المدارس: الشركات لا تلعب.. ولكن

فتح حادث السير الذي تعرضت له التلميذة ثمار ناصر وأودى بحياتها، في مطلع شباط الجاري، التأمين على تلامذة المدارس الرسمية، علما أن الحادث ذاته، أدى إلى إصابة التلميذة آية حمدان (12 سنة في الصف السابع أساسي) من تلميذات «ثانوية فخر الدين الرسمية»، برضة قوية في رجلها اليسرى، ما أدى إلى إصابة الوتر العصبي بضرر، استدعى معالجتها لدى معالج فيزيائي، لتتمكن من السير على قدمها، التي تعاني من «ازرقاق وانتفاخ جراء التهاب الوتر».

وجرّاء مسارعة والد آية إلى نقل ابنته إلى إحدى المستشفيات، من دون انتظار سيارة الإسعاف أو التحقيق في الحادث، رتّب على الوالد أعباء مالية، بدل تكاليف العلاج، علماً أن لدى التلميذة تأميناً من جانب مدرستها، وكان الحري بها التكفل بمصاريف العلاج. غير أن عدم معرفة أهل آية بالتأمين، وتأخرهم في إبلاغ إدارة الثانوية بالحادث، حمّل الأهل المصاريف. وهذا لا يعفي إدارة الثانوية من القيام بواجبها.
النتيجة أن ما حصل هو عدم معرفة الأهل أن لدى أبنتهم تأميناً، وعلى الرغم من ذلك وبعد مرور بضعة أيام، وفي أعقاب التحقيق الإداري الذي أجرته وزارة التربية، تبعاً لما ذكر نتيجة عدم الإدراك من إدارة الثانوية، للحادث ومسارعتها إلى متابعة الحادث الذي وقع، أعادت إدارة الثانوية تصويب الأمور فأبلغت أهل التلميذة بضرورة رفع الفواتير الطبية والاستشفائية إلى شركة التأمين كي تتحمل مسؤوليتها في هذا الشأن، بطلب من رئاسة المنطقة التربوية لبيروت.
ومن المعروف أن لدى كل مدرسة رسمية صندوقين، واحد للأهل يدفعون فيه عن كل تلميذ مبلغ سبعين ألف ليرة سنوياً، وواحد للمدرسة تدفع فيه وزارة التربية عن كل تلميذ مئة وخمسين ألف ليرة سنوياً. وهذه الأموال مخصصة لحاجات التعليم. فيدفع من صندوق الأهل (الفصل السابع من أصول وشروط الإنفاق من القرار 455/م/1996) بدل التأمين الصحي للتلامذة، والنشاطات اللاصفية، وإيجار الخدم، وضمانهم الصحي، والأنشطة الرياضية. ويدفع من صندوق المدرسة بدل رسم الخزينة والكتب المدرسية والقرطاسية والمطبوعات.

الشروط
حدد القرار الصادر عن وزارة التربية، الرقم 455 تاريخ 18 أيلول 1996، الذي أعيد التأكيد عليه في التعميم الرقم خمسة في 20 كانون الأول العام 1997، وما زال سارياً، الشروط المطلوبة لاستدراج عروض أسعار التأمين، وفيه: «أوقات التأمين: تحدد أثناء الدوام الرسمي وقبله وبعده بساعة واحدة. ومدة التأمين سنة دراسية واحدة تبدأ من بدء التسجيل حتى نهاية العام الدراسي، وأنواع التأمين هي: الحوادث داخل المدرسة، حوادث الرحلات المدرسية، حوادث انتقال التلاميذ إلى المدرسة ومنها، ومهما كان نوع الانتقال ووسيلته، وجميع النشاطات المدرسية على أنواعها (فنية، اجتماعية ورياضية..)». ويشمل التأمين جميع تلامذة المدرسة المسجلين فيها رسمياً. أما في أنواع التقديمات وقيمتها فهي كالآتي: في حال الوفاة 15 مليون ليرة، وفي حال العطل الدائم عشرة ملايين ليرة، ومصاريف طبية واستشفائية ثلاثة ملايين ليرة.
ويشترط العقد مع شركة التأمين أن «تتعهد الشركات وتلتزم بتنفيذ شروط المدرسة».
مصدر في وزارة التربية أكد أن الوزارة لا تطلع على الاتفاقيات التي تتم بين المدارس وشركات التأمين، مشدداً على أن التعليمات هي لجميع المدارس بضرورة إجراء التأمين لجميع التلامذة والطلاب، تبعاً للأنظمة المعمول بها. أما من يتابع من جانب الوزارة مع المدارس، فهم رؤساء المناطق التربوية في المحافظات.
ويعتبر مصدر في التفتيش التربوي، أن شروط العقد تشوبه شوائب عدة، كونه يحدد الفترة الزمنية للتأمين، وليس كما هو معمول بها في «الجامعة اللبنانية»، بحيث يكون لدى جميع الطلاب ضمان صحي، لقاء رسم معين يدفع بداية كل عام دراسي، ويستفيد منه الطالب طوال العام، وليس من السابعة صباحاً حتى الثالثة بعد الظهر.
ويوضح رئيس المنطقة التربوية لمحافظة بيروت محمد الجمل، أن جميع المدارس تلتزم بالتعميم، أما لجهة الحادث الذي وقع مع التلميذة آية حمدان، فيشير إلى أنه تم التحقيق في الحادث، وقد شارك فيه شخصياً، وقال لـ«السفير»: «أكدنا ضرورة أن تتابع الثانوية دورها مع شركة التأمين لجهة تغطية فواتير المستشفى والاستشفاء، والأدوية والعلاج الفيزيائي».
ويوضح أن دور المنطقة التربوية يتمثل في مراقبة العقود بين المدارس وشركات التأمين، «في شكل لا يتم فيه تجاوز التعاميم الواردة من وزارة التربية، خصوصاً أن معظم الحوادث التي تحصل في المدارس والثانويات، تكون حوادث تعرض لكسرِ أو جرح جراء لعب التلامذة في المدرسة.
وفي حال تلكؤ شركة التأمين، يشدد الجمل، يتم معالجة الموضوع قانوناً، ومن ثم يتم إلغاء عقد الشركة، «تحرص كل الشركات على عدم التلكؤ مع المدارس الرسمية، خصوصاً أن عملية التأمين تشمل أعداداً كبيرة من تلامذة لبنان. لذا لا مصلحة لهذه الشركات أن تتلاعب في حيثيات العقد». ولدى سؤاله عن أن كلفة التأمين على التلميذ لا تتجاوز خمسة آلاف ليرة، يلفت إلى أن التأمين يشمل آلاف التلامذة لدى الشركة الواحدة، والعقود تتم مع شركات معروفة وتتمتع بسمعة جيدة في أوساط شركات التأمين، وبعد الحصول على عرض أسعار من قبل هذه الشركات مطلع كل عام دراسي، (العروض تكون بين أربعة و12 ألف ليرة) وتتم الموافقة على العرض الأفضل.
ويوضح أن التأمين يشمل جميع تلامذة المدرسة من دون استثناء، حتى لو كان التلميذ مضموناً، أو لديه تأمين من جانب ذويه، والمدرسة عليها أن تؤمن الجميع، والأهل يقبلون كون الأمر يتعلق بسلامة الأولاد.

“الخاصة”: استقلالية
أما في ما يتعلق بالمدارس الخاصة، فالأمر منوط بكل مدرسة كحالة منفردة. وتنفي مصلحة التعليم الخاص في وزارة التربية أي علاقة لها بالتأمين على التلامذة في المدارس الخاصة، التي تخضع لنظامها الداخلي، ولديها استقلالية تامة.
أما عن دور المصلحة في حماية التلامذة، فيجيب رئيسها عماد الأشقر: «تنتهي مسؤوليتنا عند حدود أسوار المدرسة، أمّا خارجها (خصوصا في الحافلات وعامل السلامة)، فمن مسؤوليّة وزارة الداخلية، التي عليها تنظيم محضر ضبط بحقّ أيّ حافلة أو «فان» لا يراعي شروط السلامة، كفتحه الباب على مصراعيه، أو الحمولة الزائدة. ويشير إلى أنّ سلامة التلامذة هي الأساس، و«المدارس تعرف ما هو متوجب عليها».
وللموضوع صلة بوزارة الاقتصاد المكلفة مراقبة أداء شركات التأمين ومصداقيتها وتعاطيها مع الحوادث، بصفة استشارية، كما يوضح رئيس مصلحة شركات التأمين في الوزارة نبيل سرور لـ«السفير»: «لا علاقة لنا في العقود التي تبرم بين الشركات والمدارس، إن كانت خاصة أو رسمية». غير أن سرور يشدد على مسؤولية كل مدرسة وضرورة أن تؤمن على تلامذتها، لأنه «حاجة وليس خيارا، ويعود بالنفع على المدرسة، ففي حال حصول أي حادث مع أي تلميذ، يتم تغطيته، وفي حال لم يكن لدى المدرسة تأمين ستقع في كثير من المشاكل، وهذا يضّر بسمعة المدرسة فضلا عن الضرر الذي يلحق بالتلميذ المصاب».
وبالنسبة إلى وجود بعض المدارس الخاصة التي تتحايل على القانون لجهة تأمين عدد محدد من تلامذتها، لتوفير الكلفة، يقول سرور: «لا شيء إلزامياً، لكنه أكثر من ضروري لجهة ما يتعلق بالتأمين على التلامذة، والمدارس التي تحترم نفسها لا تقدم على هكذا فعل». ويؤكد أن أي شكوى تصل إلى الوزارة يتم متابعتها مباشرة.
ويشير إلى أن الوزارة لا يمكنها التدخل مباشرة، في أي حادث يقع لأي تلميذ، من دون أن يكون هناك متضرر وشكوى مرفوعة، إن لجهة تقصير شركة التأمين في القيام بواجباتها، أو أي سبب أخر يتعلق بالتأمين. ويوضح أن الوزارة وبعد الإطلاع على العقد ما بين شركة التأمين والمدرسة، تتحرك للمحافظة على حقوق التلميذ المتضرر. ولجهة قيمة التأمين الإلزامي على التلامذة، يلفت إلى أن ذلك يخضع لمبدأ العرض والطلب.
يبقى أنه على الأهل، كل الأهل في المدارس الرسمية أو الخاصة معرفة حقوق أولادهم، ومتابعتها، والمطالبة ببطاقة التأمين، حتى لو كان لدى الأهل تأمين أو ضمان، من أجل سلامة أولادهم، عندما يستدعى أن تكون البطاقة موجودة لدى التلميذ، ليسمح له في الدخول إلى المستشفى بدل الانتظار ريثما يتم تأمين البدل المالي، وما أكثر الحوادث التي حصلت مع مواطنين على أبواب المستشفيات.

السابق
توقيف 11 لبنانيا وسوريا واردنيا بجرائم مختلفة
التالي
لقضاء باشر التحقيقات في حادثة فرار السجناء الثلاثة من رومية