الصدر يتخلى عن نموذج نصرالله ويقترب من نموذج السيستاني

مقتدى الصدر

يطمح الزعيم الشيعي العراقي مقتدى الصدر في أن يصبح مرجعاً شيعياً يتعدى تأثيره حدود العراق. وراح يبتعد عن نموذج زعيم «حزب الله» اللبناني السيد حسن نصرالله، الذي طالما اعتبره «مثالياً» في الدمج بين الزعامة الدينية والسياسية والعسكرية في شخصية واحدة، ليقترب أكثر من نموذج آية الله علي السيستاني، الذي يؤثر في السياسة من خارجها من دون أن يورط المرجعية الدينية في الأخطاء السياسية لأتباعها.
والواقع أن مؤيدي تيار الصدر، والسياسيين الذين يمثلونه في البرلمان والحكومة ومجالس المحافظات، أكثر حيرة من سواهم في قرار زعيمهم اعتزال العمل السياسي. ولا يتعلق مصدر الحيرة بالقطيعة المحتملة بزعيمهم، وهذا ما استبعدته التطورات اللاحقة، بل بطبيعة المتغيرات التي ستطرأ على التيار وقد تشمل تغييراً جذرياً في الوجوه السياسية المألوفة.
وكان الصدر وجه، في بيان اعتزاله وفي كلمة تلفزيونية، انتقادات شديدة اللهجة إلى الحكومة والقوى السياسية والبرلمان والقضاء، وإلى كتلته السياسية أيضاً. لكنه شدد على ضرورة التوجه إلى الانتخابات، وخص بالشكر محافظي ميسان وبغداد، علي داوي وعلي التميمي.
منذ ذلك الحين أصبح الاتصال بنواب الصدر ووزرائه ومساعديه شبه معدوم، ولم يبرز إلى الواجهة منهم سوى الأمين العام لكتلة «الأحرار» ضياء الأسدي الذي أعلن تشكيل هيئة أمناء لإدارة الممثليات السياسية للصدر، بمشاركة مع المحافظين اللذين أشار إليهما ووزير البلديات عادل مهودر، ووزير الإسكان محمد الدراجي.
النظرة الأولية التي عكستها ردود الفعل لاعتزال الصدر، كانت تذهب إلى أن القرار يقدم خدمة مجانية لرئيس الوزراء نوري المالكي لتجديد ولايته للمرة الثالثة بعد التخلص من منافس عنيد يحتل مساحة كبيرة في الشارع. وبدأت القوى الشيعية تفكر عملياً بالطريقة التي تمكنها من استثمار قاعدة الصدر لصالحها في الانتخابات المقررة في نيسان (أبريل) المقبل. لكن كتلة «الأحرار» خففت اندفاع هذه القوى. وأكد القيادي فيها جواد الجبوي لـ «الحياة» أن «الاجتماعات مستمرة لإعادة هيكلة الكتلة ورسم استراتيجيتها للمرحلة المقبلة التي ستشهد تغيير أسماء قادة ونواب ومرشحين للانتخابات. كما ستكون هناك أمانة عامة وهي بمثابة القيادة السياسية للكتلة البرلمانية». مشيراً إلى أن «أسماء أعضاء الأمانة سيتم إعلانها خلال أيام بعد اكتمال إعادة تنظيم التيار.
ويمكن ملاحظة حزمتين أساسيتين من النتائج المباشرة لخطوة الصدر: الأولى تتعلق بقلق في قاعدته الشعبية التي يتركز في المناطق الفقيرة في محافظات وسط وجنوب العراق، على مصير الإرث السياسي للصدر. ومع مرور الأيام تحوّل القلق إلى حراك يتم التعبير عنه بتجمعات أمام منزله، أو رسائل واستفتاءات واتصالات تحاول فهم ما يجري، ومدى جدية الحديث عن ضياع التيار السياسي وتفتته.
وبناء على معطيات الحزمة الأولى من النتائج، جاءت تطورات الثانية لتعلن، عبر إصلاحات ومتغيرات في هيكلية التيار، إعادة ربط كتلة «الأحرار» النيابية بالصدر مرة أخرى، ولكن بطريقة غير مباشرة. المحصلة المتوقعة لانسحاب الصدر، هو تغيير الواجهات السياسية لتياره، واندفاع القاعدة الشعبية إلى إيصال «الصدريين» إلى البرلمان بقوة لإرضاء رمزهم الديني والسياسي.
وفي معرض هذا الحراك التحفيزي الذي أحدثه الصدر، فإنه سيحتفظ بمكانته الدينية المرموقة المؤسسة على إرث عائلته، بعيداً عن المؤثرات والمتغيرات والأخطاء السياسية. علماً أن الصدر كان يتبنى، على غرار تجربة «حزب الله» في لبنان، اندماجاً كاملاً بين المنهجية الدينية التي يمثلها «الخط الصدري» وبين الأداء السياسي للتيار في البرلمان والحكومة وتمثله «كتلة الأحرار»، وبالتالي فإن الأداء السياسي أو عدد مقاعد البرلمان والمناورات السياسية وأخطاء أو فساد البرلمانيين والوزراء تحوّل إلى معيار لقياس الوزن الديني للصدر الطامح إلى أن يصبح مرجعية شيعية رئيسية.
وفي مقابل ذلك ، يقترب الصدر من منهجية المرجعية التقليدية بزعامة آية الله علي السيستاني في النجف التي تحرص على عدم تأثير القوى السياسية المرتبطة بها بشكل أو آخر في وزنها الديني، والبقاء في موقع بعيد عن السياسة ولكن مؤثر فيها بقوة.

السابق
الأنباء : سلام يطلب من قهوجي الرد على عيد
التالي
مقتل سجين إسرائيلي أميركي في معركة مع الحراس قرب تل أبيب