لماذا الحاجة إلى بعبدا؟

لا يمكن النظر إلى الصفقة أو التسوية الحكومية فقط من زاوية كونها التزاماً بالدعوات الدولية لتحييد لبنان ولو بالحدّ الأدنى، إنّما ثمّة جانب آخر لا يقلّ أهمّية ويتمثّل بحاجة «المستقبل» لاستعادة السراي، وحاجة «حزب الله» للغطاء السنّي لمواجهة الإرهاب، ولكن ماذا عن بعبدا؟

خطورة التسوية الحكومية لا تكمن فقط في حجم الكلفة التي دفعها وسيدفعها «المستقبل» مقابل دخوله إلى السراي، وهي كلفة باهظة جدّاً من شعبيته ورصيده، وأسوأ ما فيها أنّها مفتوحة زمنياً ربطاً بتورّط «حزب الله» في الأزمة السوريّة، فيما كانت هذه المهمّة واجباً وطنياً لو انسحب الحزب من سوريا، ولكن في موازاة تداعياتها على الاعتدال السنّي، لا يجب التقليل من خطورتها على المقلب الآخر المتّصل بالانتخابات الرئاسية، وذلك لسببين رئيسيّين:

أوّلاً، تأليف الحكومة يدفع إلى الاسترخاء الدولي، لأنّه عندما يتجنّب هذا المجتمع مع التأليف الفراغ الشامل المحتمل على مستوى السلطة التنفيذية، وعندما يشعر بالارتياح مع إعادة جمعِ السنّة والشيعة حول طاولة واحدة، يتحوّل الاستحقاق الرئاسي إلى لزوم ما لا يلزم، إلّا في المواقف الديبلوماسية والتصاريح الشكلية، كون الهَمّ الأوّل والأخير للمجتمع الدولي اليوم ترتيب البيت اللبناني، ولو تحت سلطة «حزب الله»، فكيف بالحريّ في ظلّ حكومة متوازنة تستطيع بتكوينها فكّ لغم التفجير الداخلي.

ثانياً، الاتّفاق السنّي-الشيعي على توزيع المهامّ والأدوار بين استعادة «المستقبل» للسلطة من بابها العريض، وبين استعادة «حزب الله» للغطاء السنّي للتصدّي للإرهاب، تُبطل حاجة الطرفين إلى وجود رئيس في بعبدا، خصوصاً أنّ الانتخابات الرئاسية ستفتح باب التأليف مجدّداً، ما يعني عودة الأمور إلى المربّع الخلافي نفسه، الأمر الذي يجعل اللاعبين الأساسيّين (المستقبل وحزب الله) أميلَ إلى الاحتفاظ بالمكاسب والأدوار التي حقّقوها عبر الحكومة السلامية والتي من المبكر إعادة النظر فيها.

وحيال ما تقدّم، وبمعزل عن المواقف الوجدانية المسيحية الصادقة، والرافضة لتغييب رئاسة الجمهورية عن المعادلة الوطنية، والمتمسّكة بالدور المسيحيّ الذي لا يمكن تظهيره فعليّاً وتجسيده إلّا عبر المؤسّسات، وفي طليعتها رئاسة الجمهورية، يجب التفكير مَليّاً بكيفية تجاوز البعد الوجداني إلى البعد العملاني عبر الإجابة عن السؤال الآتي: ما السبيل لتحويل بعبدا إلى حاجة لـ»المستقبل» و»حزب الله»؟ واستطراداً للمجتمع الدولي؟

وفي محاولة للإجابة، لعلّ أوّل ما يمكن أن يتبادر إلى الذهن يكمن في الآتي:

1- على مستوى «المستقبل»: يدرك الاعتدال السنّي مدى حجم المجازفة والمغامرة التي يخوضها في مواجهة الإرهاب نتيجة غياب الضمانات من «حزب الله» المتّصلة بخروجه من سوريا، الأمر الذي سيدفعه إلى البحث عن شريك في هذه المواجهة من خارج الدائرة الشيعية والمسيحيّين الملتحقين بها، وذلك تجنّباً لاستفراده من قِبل الحزب أو بيئته، ولحاجتِه إلى توسيع دائرة القوى الداعمة لتوجّهه وتحصين موقعه، وبالتالي لن يجد أمامه إلّا رئاسة الجمهورية التي يستطيع أن يتفيّأ بموقفها أمام بيئته.

2- على مستوى «حزب الله»: يدرك الحزب أنّ التصدّي الفعلي للإرهاب يتطلّب مواجهة من طبيعة وطنية، لا طائفية أو مذهبية، واقتصارُها على «المستقبل»، على أهمّيته، غير كافٍ، لأنّ الاعتدال السنّي يخوض أيضاً معركة بقاء في مواجهة التطرّف، ما يجعل الحاجة ماسّة لدور رئاسة الجمهورية على هذا المستوى. وفي موازاة هذا العامل لا يناسب «حزب الله» كشف نفسه أمام المجتمع الدولي، كما لا يناسبه جعل وضعيته بعهدة السراي الحكومي، إذ من مصلحته إبقاء بعبدا حلقة الوصل بين المجتمع الدولي وبينه.

3- على مستوى المجتمع الدولي: يدرك هذا المجتمع أنّ المواجهة مع الإرهاب والتي تدخل في صلب الأجندة الدولية لا تعني غضّاً للنظر عن «حزب الله» وترسانته العسكرية، الأمر الذي يتطلّب، بالنسبة إلى الشرعية الدولية، وجود موقع غير سنّي يتصدّى لهذا السلاح سياسياً من منطلق استجلابه الحروب على البلد وإبقاء سيادته منتقصة، لأنّ المواجهة من مربّع سنّي تستجرّ مواجهة من مربّع شيعي، وبالتالي من مصلحة المجتمع الدولي أن تتولّى بعبدا مقاربة الملفّين المتفجّرين: الإرهاب وسلاح «حزب الله».

وعليه، أمام حاجة «المستقبل» إلى شريك مسيحيّ من قلب الدولة لمواجهة الإرهاب، وحاجة «حزب الله» إلى توسيع إطار المواجهة مع الإرهاب بجعلِها وطنية، وحاجة المجتمع الدولي إلى موقع وطنيّ يزاوج بين التصدّي للإرهاب والسلاح غير الشرعي، تبرز مدى الحاجة إلى دور رئيس الجمهورية في رفع شعارَي حصرية السلاح والقضاء على الإرهاب… وهذا ما يقوم به الرئيس ميشال سليمان، لأنّه من الخطأ تصوير المشكلة في لبنان بأنّها فقط مع الإرهاب، وذلك من دون البحث عن مسبّبات هذا الإرهاب، ومن أهمّها قتال الحزب في سوريا، كما تمسّكُه بسلاحه الذي أوجد شعوراً بالغلبَة والمظلومية وغياب العدالة والمساواة، وبالتالي يستحيل القضاء على الإرهاب ما لم يُصَر إلى معالجة سلاح «حزب الله» وصولاً إلى تسليمه للدولة اللبنانية.

السابق
اعضاء مجموعة نضال المغيّر اختفوا جميعا
التالي
مقتل قيادي كبير بتنظيم القاعدة بليبيا بتحطم الطائرة العسكرية فوق تونس