جميعنا أيتام تحت وطأة العنف

كلّنا في لبنان أيتام تحت وطأة العنف. مكشوفون. عراة. لا نعرف أين نضع أيدينا وأيّ جزء من أجسادنا نخبّئ. اليد لا تحتوي الجسد بأكمله ولا نستطيع أن نحمي أنفسنا. لا نستطيع شيئاً لنمنع أحبّاءنا من الموت وإن صادف وفقدنا أحدهم، ماذا سنقول أمام هذا الموت المجاني؟

أسوأ ما في في الانفجارات أنّنا صرنا عاجزين أمامها.  عاجزين عن التعليق، عاجزين عن الإدانة، عاجزين عن الموت وعاجزين عن الصمت.

صار هذا المسلسل جزءاً من يوميّاتنا ولم نعد حتّى نتبادل رسائل الاطمئنان. توقفنا عن تعداد الضحايا وتبادل صور المأساة على الوتيرة السابقة نفسها. توقفنا حتّى عن الخوف – الخوف الّذي يشلّ عن الحركة – وانتقلنا إلى مرحلة التوقّع أن يأتي موتنا المفاجئ في أيّ لحظة.

يتكدّر نهارنا ونبكي لكنّنا نستمر في العيش من دون اعتراض كأن لا حول لنا ولا قوّة. نرى صور الأيتام المرعوبين. على وجه أحدهم رسوم. كان يلعب ويغني في احتفال عيد ميلاد صديقه في دار الأيتام الإسلامية حين أصيب بالذعر. أيتام آخرون خافوا وبكوا وأمسكوا أيدي بعضهم البعض. لكنّهم أيضاً شعروا بهذه الضآلة التي تملأ الإنسان حين يرى الخراب مقبلاً ولا مظلة يحتمي بها.

كلّنا في لبنان أيتام تحت وطأة العنف. مكشوفون. عراة. لا نعرف أين نضع أيدينا وأيّ جزء من أجسادنا نخبّئ. اليد لا تحتوي الجسد بأكمله ولا نستطيع أن نحمي أنفسنا. لا نستطيع شيئاً لنمنع أحبّاءنا من الموت وإن صادف وفقدنا أحدهم، ماذا سنقول أمام هذا الموت المجاني؟ سنلقي شعراً كيف أنّ اليد لا تحمي وسنموت ألف مرّة لأنّنا رأينا المأساة وأخفضنا رؤوسنا لها.

مظلتنا نحن الأفراد هشّة، تكاد تكون أشبة بعصا أو برواز خشبي من دون قطعة القماش فوق الرأس وقماش مظلة الوطن ممزّق. إن سددت إحدى ثغراته، تمزّق القماش من الناحية الأخرى. أمّا المظلة الدولية فحدّث ولا حرج، تمطر علينا بالصواريخ الشقيقة والقنابل العربية والقنوات الدبلوماسية التي لا تخرج إلّا التسويات الفاشلة.

كلّنا في لبنان أيتام تحت وطأة العنف. لكنّ صور الأطفال المذعورين تزيدنا يتماً. الصورة التذكارية لحكومة مهمّتها “نقل الخلاف من الشارع” لا تشعرنا بالأمان. ونحن نعرف كم تورّطنا – ليس كأفراد- بل كشعب لا حول له ولا قوّة ونعرف أنّ أوان التسويات فات. نعرف ذلك جيّداً ونتأكّد منه حين نصحو على وقع انفجار وحين نتوتّر إن خرج أحد أفراد عائلتنا أو أصدقائنا وتأخّر قليلاً. نعرف ذلك حين تنقطع الاتصالات وحين تصبح الخطب السياسية فارغة أو نوعاً من المزايدة لا أكثر ولا أقل. نعرف أن لا شيء يستطيع إعادة إحياء والد أو والدة طفل يتيم وأنّ لفظة “بابا” أو “ماما” حين تُقال للغرباء –إن توافروا- لا تُشبع.. وكذلك الأمر بالنسبة إلى لفظة “وطن” لا تحييه حكومة تكاد تبدو أشبه بزوج أم أو زوجة أب لأبناء وطنٍ ميّت.

السابق
الرئيس الأوكراني يعلن عن انتخابات رئاسية مبكرة في البلاد
التالي
نجاة الرئيس الصومالي من تفجير قرب قصر الرئاسة