الاسلام والغرب: ضرورة تدوير الزوايا (2)

بعض الغرب، وواشنطن (الادارة تحديدا في اكثر عهودها) ظلت على نظرتها الذكورية الاستيلائية الى ذاتها والانثوية الاذعانية الى ذاتنا. الى حدّ انّ المحافظين الجدد كظاهرة قد عالجوا مرضهم اليساري بدواء يميني (كورتيزون) اشد فتكا من المرض.

كان وما زال هناك بيننا تيار او اتجاه عربي واسلامي عميق وحريص على التوازن، قد اختار الوسطية والاعتدال والتسوية والتنمية، موقعاً ومنهجاً وحلاً لاشكاليات التعارض والتماثل بين اطراف الثنائيات، ومنها ثنائية (شرق – غرب). وقد اشتغل ويشتغل على تحرير المساحات المشتركة، وفصلها على مساحات الاختلاف والخلاف، من موقع نسبي يرى ابعد واعمق ويتجنب التلفيق، ويعمل على تدبر تسويات تاريخية مفتوحة على التطور، من دون الوقوع في تبسيطية الحل الذي طرح سابقا متمثلا في التوفيق بين روحانية الشرق ومادية او تقنية الغرب!

ذلك أنّ العولمة الجارية تنتج نوعا من التناظر، وان من دون تكافؤ او الغاء للفوارق، التي لا شك في انّ بعضها تكويني لكنّه ليس عائقاً امام التلاقي بين المختلف والمختلف. لكنّها توسع مساحة الاشتراك والتماثل الفعلي، الذي قد يصل الى حد التطابق بين الشعوب في ما يعود الى حاجاتها المعيشية والمعرفية والتنظيمية، أو إلى حالة من الضعف من جهتنا، يحولنا في مساحة الاشتراك الى حالة قاصرة مذعنة هذه المرة بشكل أشدّ مأساوية من الماضي، ما لا علاج له الا بتحقيق شروطنا الذاتية التي تخولنا المشاركة كاستحقاق لنا لا صدقة علينا من احد. وهذا يقتضي، في ما يقتضي، ان نعود الى قراءة ذاتنا، تكويننا وذاكرتنا وانتظاراتنا ومعارفنا، بحيث نضيق مساحة الثوابت، او نجدد معرفتنا بالثوابت الفعلية والخصوصيات المرنة، لنعود الى التوجه الى الامام حيث مثالنا الذي ينتظرنا، وانّ ما وراءنا ليس مثالا تاماً، بل نحن نعتدي عليه عندما نحوله الى عامل استقطاب احادي يدفعنا الى استدبار المستقبل بدل استشرافه لاستقباله بمعرفة تسعى الى معرفة الآخر، بذاته ومحمولاته، كشرط معرفي وبنيوي لذاتنا.

لعلّ هذا الامر يبدأ من نقطة اتفاقنا على انّ الاسلام والغرب ليسا مفهومين او معطيين خارج التاريخ وشروطه المتغيرة. وأنّ التاريخ قد ارتاح للعلاقة بينهما، ان تراوح بين التوتر النسبي العالي الوتيرة احياناً، وبين التصالح الذي لا يخلو من التباس، شأن أي مختلفين يتصارعان ثم يتصالحان ليعودا الى الصراع من جديد الخ…

إذا فالنقاش لتحديد الزوايا وتدويرها يجب ان يبدأ دائماً من حيث انتهت العلاقة بين الشرق والغرب، وما انتهت اليه صورة كل منهما عن ذاته في ذاته ولدى الآخر، كما يلاحظ كلام الرئيس باراك اوباما في خطاب القاهرة قبل أعوام عن الصور النمطية. هذا حتّى لا نكون اسرى للموروث الاشكالي والصراعي الطويل بيننا، وحتى يكون في امكاننا ان نعالج الراهن من اجل الآتي، بدل ان نبقى اسرى الذاكرة الغابرة، او القريبة التي تراكمت فيها السلبيات نتيجة انفجار الصراع من جديد، امام تحديات كانت تفترض الشراكة بدل القطيعة.. لولا ان بعض الغرب، وواشنطن (الادارة تحديدا في اكثر عهودها) ظلت على نظرتها الذكورية الاستيلائية الى ذاتها والانثوية الاذعانية الى ذاتنا. الى حدّ انّ المحافظين الجدد كظاهرة قد عالجوا مرضهم اليساري بدواء يميني (كورتيزون) اشد فتكا من المرض…

على انّ الغرب الآن، رغم المساحات المشتركة بين اطرافه، أقلّ وحدة رغم مظاهر الوحدة، بسبب التباينات في انظمة المصالح بين الجميع، وبينهم وبين واشنطن. خصوصاً، بعدما انتهت التجربة الاشتراكية بفعل قصورها، واصبح الاستقطاب أحاديا ومفروضا على أطراف غربية اخرى، تذعن على مضض وتبحث عن فرص للتحرّر من املاءات واشنطن، ما قد يوفّر لنا فرصة للاستثمار العاقل للتمايزات او التعارضات الخفية والظاهرة، من دون الوقوع في اغراء سطحي عن إمكان اشتغالنا على الفتنة بين اطراف الغرب، حيث لن نكون الا نحن المفتونين في المحصلة.

السابق
السفير والأخبار: عباس على صلة بعنصر في الأمن الداخلي مفروز لـ«بيت الوسط»
التالي
الفصل بين النووي والإقليمي