ماذا لو برأت محكمة لاهاي المتّهمين بقتل الحريري؟

المحكمة الدولية
أمام هذا الواقع يُطرح السؤال اللا مفكّر فيه، وهو: هل يمكن لمحكمة لاهاي ولعل السؤال الاصح يكاد يكون سؤالا مضادا وهو: هل ستسطيع هذه المحكمة، وفق معاييرها الدقيقة، ان تدين المتهمين؟ وماذا بعد كل هذا التشكيك والتهجم والعداء ضدّ المحكمة؟ ماذا إذا كان قرارها النهائي، المبني حتما على اعلى معايير العدالة، هو تبرئة المتهمين؟

الهجوم على المحكمة الدولية لم يبدأه حزب الله مع انطلاقتها صبيحة 16 كانون الثاني 2013. بل هو مستمر منذ لحظة قرّر فريق لبناني اللجوء الى المجتمع الدولي من اجل الكشف عن حقيقة من يقف خلف جريمة الاغتيال التي أودت بحياة رئيس الوزراء الشهيد رفيق الحريري. ويستمرّ الهجوم الى هذه اللحظة. وتعزز أكثر فأكثر وأخذ صورة العداء المباشر بعد الإعلان عن القرار الاتهامي الذي طال عناصر وقياديين من حزب الله واتهمهم بالوقوف خلف تلك الجريمة الكبرى.

لنسلّم جدلا بأنّ توجّس الحزب كان مفهوما مع انطلاق أعمال لجنة التحقيق الدولية المجهولة التفاصيل والمبهمة في طريقة عملها بسبب تداخل آليات نشاطها بين ما هو استقصائي وما يمكن ان يعتبر “عملا مخابراتيا”.. فما كان يسمح حينها أن يكون توجّسات من قبل حزب الله فيه الكثير من المعقولية، خصوصا تلك المبنية على خلفية سياسية باعتبار لجنة التحقيق يمكن ان تتحول الى ما يشبه السيف المسلط على رقبة الحزب والممسوك من قبضة الدول الكبرى المهيمنة على قرار مجلس الامن وعلى رأسها الولايات المتحدة الاميركي. وهذا بالطبع قد يكون مدخلا يسمح لأميركا بالتدخل “المخابراتي ” في عمل هذه اللجنة وتوظيفها لما يخدم اهداف سياسية محضة لا علاقة لها بالحقيقة.

إلا ان المغالطة التي يقع فيها الحزب الآن هو بسحب حالة العداء هذه وصولا الى المحكمة الدولية، متجاهلا ان هذه المحكمة هي مؤسسة دولية تتمتع باستقلالية كبيرة وتعمل وفق شفافية عالية جدا (بثّ مباشر)، وتخضع لقوانين وأنظمة غاية في مراعاة ارفع موازين العدالة. ولعلها بذلك يمكن ان تشكل ضمانة ما كان المتهمون ليحصلوا عليها في أي محكمة، عربية كانت او إسلامية، كان الحزب قد طالب بها في الفترات الأولى بعد وقوع الجريمة. ومن هنا فلم يعد العداء المعلن للمحكمة يتمتع بأيّ مسوغ لا سياسي ولا حتى فكري، اذا ما اعتبرنا انّ العدالة هي مطلب محق وانها المتحكمة بمجريات الأمور. وهذا مؤكد على ضوء المعايير المعمول بها والمطلوبة من هذه المحكمة.

هنا لا بد من استحضار كلام عظيم ويخدم السياق قاله رئيس القضاء الأعلى السابق في ايران السيد عبد الكريم الموسوي الاردبيلي: “بعد انتصار الثورة وقيام الجمهورية الإسلامية عمدنا الى تجميد كل القوانين القضائية التي كانت سائدة أيام الشاه من اجل استبدالها بالاحكام والنظم الإسلامية المعتمدة على الفقه الشرعي، الا اننا وبعد فترة قصيرة جدا وجدنا انفسنا امام مأزق كبير وفراغ تشريعي هائل يساهم بشكل جدي بضياع الكثير من حقوق المواطنين ويؤدي الى عدم سيادة العدالة المرجوة وإعطاء كل ذي حق حقه، ما اضطرنا بالرجوع الى الأنظمة القضائية المستمدة من القوانين البلجيكية التي كان معمول بها ولا زالت سائدة الى يومنا هذا .

من هنا فلا معنى لكل هذا الهجوم المفتعل على المحكمة. فلا يمر يوم دون ان نقرأ اكثر من مقال او مطالعة فضلا عن المقابلات التلفزيونية وصفحات الفيسبوك، كلها نضج بالتهجم والاستهزاء، الذي لم يعد يخدم الا توسيع دائرة الشك عند اللبنانيين ويساهم في تعزيز حالة الشرخ المذهبي.. وقبل هذا وذاك يخلق عند جمهور الحزب شعورا خطيرا جدا عنوانه: عدم الالتزام بالعدالة وعدم احترام قوانينها. ما سيجعل الحزب أولا والمجتمع ثانيا، امام مأزق ثقافي كبير قد تعاني بيئة الحزب قبل غيرها من تبعات الثقافة التي يشيعها.

أمام هذا الواقع يُطرح السؤال اللا مفكّر فيه، وهو: هل يمكن لمحكمة لاهاي ان تبرّىء المتهمين؟

الجواب هو: طبعا يمكن.

ولعل السؤال الاصح يكاد يكون سؤالا مضادا وهو: هل ستسطيع هذه المحكمة، وفق معاييرها الدقيقة، ان تدين المتهمين؟ وماذا بعد كل هذا التشكيك والتهجم والعداء ضدّ المحكمة؟ ماذا إذا كان قرارها النهائي، المبني حتما على اعلى معايير العدالة، هو تبرئة المتهمين؟

السابق
الإعلامية نسرين نجم: حجابي جزء من هويتي
التالي
الأسير: نصرالله يعمل على قتل السنة!