أمام المستشفيات: يبكون الأحياء..

دخلت حسابها على “فايسبوك” وكتبت على صورتها الجميلة “ابنتي حبيبتي طفلتي ورفيقة عمري.. ربي يحميكِ”. لم يسمع الرب دعاء والدة ماريا الجوهري، ولم يصمد رضاها أمام آلة القتل، وسقطت طفلتها، ابنة ا17 ربيعاً، شهيدة.
أمس، علا بكاء عباس على أصوات الجرحى في مستشفى بهمن. كان الفتى العشريني قد تعرف للتو على جثة ماريا، شقيقته. ماريا المحبة التي زينت رأس صفحتها على الانترنت بصورته مع شقيقها الثاني محمد، واحتفلت بنجاتها من ثلاثة انفجارات لتقول: “ما بعرف إذا رح أزمط من الرابع؟”. ولم “تزمط”.
لم يقتصر ضحايا أمس على أربعة شهداء ونحو أربعين جريحاً، “سقط” نحو 12 مواطناً بالانهيار العصبي.
أمس لم يبك الموجودون أمام مستشفى بهمن، وفي باحة قسم الطوارئ، الشهداء والجرحى فقط. بكوا الأحياء أيضاً. بكوا عباس وهو يندب ماريا.. بكوا خالة “الشاب يلي متل القمر”، علي ابراهيم بشير، وهي تنادي ابن العشرين عاماً، الذي قضى أمام منزله في حارة حريك.. بكوا شقيق الشهيد أحمد عبيدة، ابن الطريق الجديدة، وهو يبحث عن عباس ابن شقيقه الذي كان برفقة والده، ونجا. احمد الخمسيني اصطحب ولده وجاء يبيع بضائعه في الضاحية. ترك ابنه في السيارة وقضى على أبواب المحل.. بكوا أطفاله الأربعة الذين كان شقيقه يسأل النصيحة كيف سيخبرهم أنهم أضحوا اليوم أيتاما.
بكوا الأحياء الذين انهاروا وهم يبحثون عن أحبتهم بين المستشفيات، من مفقودين أو ممن تعذر الاتصال بهم. مريم التي لم تقو على السير مسافة ثلاثة أمتار فحملوها لتتأكد من أن شقيقها الجريح بخير. أم نسيم التي أدخلوها على كرسي نقال لتتمكن من رؤية بكرها المصاب. أما تلك المرأة المتشحة بالسواد فقد كانت تبكي أمام مستشفى الساحل من دون أن تعلم أن قريبها خضر سرور قد انضم إلى قافلة شهداء الأمس.
لكن الفاجعة الكبرى شهدتها باحة مبنى العيادات في مستشفى الرسول الأعظم. أكثر من مئة شخص تجمهروا حيث رقد الشهيد علي ابراهيم بشير جثة هامدة. هناك جلست خالته تنشد تهويدات طفولته متغزلة بطوله وجماله وبـ”القمر” الذي كانه.. و”يقبرني هالطول يا خالتي”..هناك لم تكن السيدة الخمسينية تريد المغادرة، وإلى اين تغادر؟ ماذا ستقول لأمه، أختها. كيف ستنسى وجهه؟ كيف تزيل رائحة يديه الصغيرتين من راحة يدها وهي تنزهه طفلاً صغيراً على دروب بيت ليف، ضيعته الجنوبية. ومع تهويدات “الخالة” بكى بعض الحاضرين، فيما انشغل الآخرون في تهدئة ابن خالته، الشاب العشريني الذي كان يعاند ليعود إليه، إلى علي، يحضنه مرة أخيرة وينفذ وعداً لم يتحقق. طالبه علي بـ”مشوار” في السيارة الجديدة، وكان يريد ان ينقله بسيارته إلى بيته. سيارة يقول إنه لن يقودها إذا لم تطأها قدما علي.
لم يعد الانفجار انفجاراً فحسب. صار مناسبة يخرج الناس فيها إلى أحزانهم، إلى مجالس عزاء باتت تضرب موعداً أسبوعياً أو أقل. لم يعد الانفجار يحصد شهداء وجرحى فحسب، صار الأحياء ضحايا الرعب المتنقل في كل مكان.

السابق
عبد الوهاب بدرخان
التالي
التكفيريّون لـ«حزب الله»: ليس بالحريري يتوقّف الإرهاب