توافق سعودي – إيراني في لبنان برعاية أميركية

بعيداً من التعقيدات التي تُظلِّل عملية تأليف الحكومة السياسية الجامعة، إلّا أنّ الاوساط المطّلعة والمتابعة للملف اللبناني في واشنطن تبدو على قناعة تامّة بأنّ الأمور ستسلك وجهتها الصحيحة، لأنّ القرار كبير جداً وهو أكبر من كلّ الأفرقاء على الساحة اللبنانية.

وعلى رغم قدرة الأطراف السياسية في لبنان على العرقلة أو إحداث تأخير ما، لكن لا أحد يملك القدرة على الوقوف في وجه قرار كبير، وهو ما يُفسِّر الى حد بعيد ما يشبه الانقلاب في مواقف الرئيس سعد الحريري وتراجُع “حزب الله”.
في واشنطن، هناك مَن ينظر الى الصورة من زاويتها الاقليمية الواسعة، وليس أبداً من زواياها اللبنانية الضيّقة. وقد تكون الشعارات “الدعائية” التي استخدمها الأفرقاء في لبنان جعلتهم أسرى لها. فالبعض منهم ذهب بعيداً في حملاته الاعلامية ومواقفه السياسية، ما عزَّز حضوره على الارض، وهو ما يجعله في موقع صعب للعودة الى النقطة الوسط.
فالانقلاب الذي نَفّذته الادارة الاميركية بدءاً من أيلول الماضي على أسس ثابتة ومشروع كبير سيتطوّر مع الوقت، يرتكز على مصالح استراتيجية للولايات المتحدة الاميركية. وهذا المشروع يأخذ عنواناً واضحاً في المرحلة الراهنة على أساس محاربة الارهاب. لذلك، تزامنت تطورات كثيرة وكبيرة في الشرق الاوسط يَغفل عن ابعادها بعض الاطراف في لبنان.
ففي تركيا اليوم سقوط متدحرج لأردوغان النموذج السياسي الاسلامي الذي حظيَ بوهج هائل لسنوات خَلت، على رغم أنها البلد الذي يشكّل حجر الزاوية لأيّ استراتيجية أميركية في الشرق الاوسط، والذي انطلقت منه مشاريع إيصال الاخوان المسلمين الى السلطة في البلاد العربية، فيما عُرف بـ”الربيع العربي”، وفق المفهوم الذي ساد يومها بإنتاج حكومات إسلامية على غرار الاسلام السياسي الذي يحكم تركيا من خلال حكومة رجب طيب اردوغان.
وتكفي الاشارة الى الصعود المثير لفتح الله غولن في وجه اردوغان، وهو الذي أمضى زهاء العامين في الولايات المتحدة الاميركية بعدما اضطهده اردوغان، ويحظى بعلاقات ممتازة مع بعض من كبار المسؤولين الاميركيين.
وفي جزء من النزاع الداخلي في تركيا، حملات على اردوغان لسماحه باستمرار تهريب السلاح والذخائر الى الفصائل الاسلامية المعارضة في سوريا، ما يوحي بانقلاب الصورة الداخلية تجاه الاحداث السورية. وطبعاً، فإنّ تقهقر اردوغان لا يزعج السعودية، لا بل يشكّل مطلباً لها.
في العراق دعم لحكومة نوري المالكي بعد عودته من زيارته المثيرة الى الولايات المتحدة الاميركية، في حربه ضد المجموعات المتطرفة. صحيح أنّ هذه المجموعات شاركت بقوّة في الحرب المذهبية التي سادت الساحة العراقية، ما طرح علامات استفهام كثيرة حول مصادر دعمها والجهات التي تستفيد من نموّها وقدراتها الارهابية، الّا أنّ الصورة تبدو مختلفة اليوم مع انضمام مجالس الصحوة للقتال الى جانب حكومة المالكي، علماً أنها تضمّ عشائر سنيّة كبيرة ومعروفة بقُربها من الاميركيين.
في الاردن تراجع في الوظيفة التي كانت قد أوكلت إلى هذا البلد تجاه الحرب في سوريا. والأهمّ في مصر حيث عاد التواصل بين القاهرة ودمشق، ولَو بشكل غير ظاهر او علني، في انتظار استقرار المشهد الجديد أكثر ليُعاد تدشين علاقة كاملة ما بين العاصمتين العربيتين.
أمّا في سوريا، فهناك جهود كبيرة رافقت إقناع الفصائل السورية المعارضة التي لا علاقة لها بالتنظيمات الاسلامية بحضور مؤتمر جنيف 2، حيث سيكون النظام السوري جاهزاً كطرف أساسي، ما يعني التراجع ضمناً عن مطلبها الأبرز، والقاضي بتنَحّي الرئيس بشار الاسد.
لكن المعلومات في الكواليس تقول إنّ واشنطن، التي اعتمدت موسكو شريكاً لها في بعض ملفات الشرق الاوسط، حاولت إقناع القيادة الروسية باستبدال الاسد بأيّ إسم آخر من داخل النظام مع الإبقاء على التركيبة العسكرية والامنية له، الأمر الذي باتَ قناعة أميركية، واقترحت أن يكون البديل من الطائفة العلوية ومن أهل البيت، ما يشكّل مخرجاً شكلياً للقوى التي تعارض وجوده.
ويتردَّد في هذه الكواليس أنّ موسكو، التي وجدت في ذلك تغييراً شكلياً يؤدي الى استمرار النظام مستقبلاً، لا بل حمايته، طرحت الموضوع مع طهران التي رفضت في شكل قاطع هذا السيناريو، وأبدَت تمسّكها بإبقاء الامور في سوريا على ما هي عليه شكلاً ومضموناً، ما أعاد القرار الروسي الى المربّع الاول، أي إنجاز الحل في حضور الاسد.
وانسجاماً مع هذه الصورة، تبدَّلت المعطيات في لبنان فجأة وعنوانها استعادة الاستقرار من خلال المشاركة في الحرب على المتطرّفين. لم تعد الصورة تختزل الكباش الإيراني – السعودي، بل أضحَت المشاركة بين الجميع لتعزيز ركائز الاستقرار الامني، وبطبيعة الحال السياسي، لاحقاً.
فتمدّد التنظيمات المتطرفة يزدهر من خلال المواجهة المذهبية، وهو ما أدى الى ظهور الانتحاريين اللبنانيين بوفرة، ما أقلقَ الغرب كثيراً.
وهذا يعني في المحصّلة وجود قرار أميركي كبير يضمّ السعودية وايران، كلّ من زاويته، بترتيب البيت اللبناني من خلال المشهد الإقليمي الجديد. لذلك، حاول المتضررون التشويش على الاتفاق من خلال قصف عرسال وإشعال جبهات طرابلس وتنفيذ عمليات إرهابية. وقد أريد للاتفاق ان يترجم من خلال حكومة جديدة، الأمر الذي يفتح أبواب التساؤل عن مصير الاستحقاق الرئاسي، ولهذه المسألة قصة أخرى.
فرئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، المتحَمّس للحكومة، يأمل استعادة بريق التمديد لدى ولادة الحكومة الوفاقية. ذلك أنّ أحد أسباب هذه الولادة هو تأمين مرحلة الفراغ في حال حصل ذلك. والرئيس سليمان يستعد لإحياء معادلة: التمديد أفضل من الفراغ.
ووفق معلومات دقيقة، فإنه جاء مَن يطرح على “حزب الله” مجدداً “فوائد” التمديد وفق المشهد الجديد: “الرئيس سليمان لم يؤذِ يوماً المقاومة أو مشروعها أو سلاحها، ويبقى مضموناً أكثر من غيره وفق التجربة”.
لم يعطِ “حزب الله” رأيه في هذه “الاغراءات”، وبقيَ على صمته، وهو العالِم أنّ الرئيس سعد الحريري يسعى الى التمديد لسليمان. لكنّ الصورة في الخارج لم تعد متحمّسة لهذا الخيار، خصوصاً في فرنسا. لا بل إنّ باريس قد بدأت استقصاءاتها عن المرشّحين المحتملين.
وهي مثلاً، دَعت حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الى زيارتها، وقبله جاءت زيارة قائد الجيش العماد جان قهوجي في مهمّة عسكرية لكنها حملت الكثير من الجوانب المعبّرة، في وقت تُوثِّق بعض السفارات الكبرى ملفّاتها عن جان عبيد. والأهم، ربما، أنّ موسكو ستشارك للمرة الأولى في جانب من جوانب الرئيس المقبل.

السابق
مصادر بري: جماعة عون يئنون
التالي
قرايا وسرايا