نفايات بيروت: ألسنا في الوسخ أساساً؟

نفايات بيروت
ربما تكشف هذه الجراثيم التي أخذت تلوّث بلدنا عقمنا كشعب ودولة لا تجيد سوى رمي الملفات في مكبٍ ما ومن ثم رمي ملف آخر فوقه، هكذا حتّى تكدّس الموت وصرنا نراه في جميع مرايا الوطن. ماذا نعيش نحن كمواطنين لبنانيين غير هذا الوسخ؟

لا يجدر باللّبنانيين أن يشمئزوا لمنظر النفايات الّتي بدأت “تطوف” في شوارع عاصمتهم. إذا تمعّن الناظر في عمق هذا المجتمع ورفع قليلاً طبقات الزفت عن أرضه كمن يرفع الجلد عن جسد هذا الكيان الذي يدعى وطن، لرأى الورم المتفشّي في كلّ ذرة من هذا المكان.
ربما تكشف هذه الجراثيم التي أخذت تلوّث بلدنا عقمنا كشعب ودولة لا تجيد سوى رمي الملفات في مكبٍ ما ومن ثم رمي ملف آخر فوقه، هكذا حتّى تكدّس الموت وصرنا نراه في جميع مرايا الوطن. ماذا نعيش نحن كمواطنين لبنانيين غير هذا الوسخ؟
لنتكلّم قليلاً عن كرامة المواطن اللّبناني… هذا المخلوق الّذي يموت على أبواب المستشفيات حين يصبح مسنّاً ولا معيل له، هذا المخلوق الّذي تتحكّم به مزاجية موظّف إدراي، هذا المخلوق الّذي يضطر لطرق مائة باب ليجد “وظيفة” لولده أو ابنه.
لنتكلّم عن هذا المخلوق الذي يعيش مستغرقاً في الديون، عن الشاب الّذي لا يستطيع أن يؤمّن مسكناً لائقاً لنفسه وعن الفتاة الّتي صارت تنتظر الفرج عبر تأمّل نوع سيّارة شابٍ يتقرّب منها لترى إن كان بإمكانه حملها بعيداً عن البؤس الذي تستغرق فيه.
هذه الكرامة اللبنانية الغائبة لا تؤلم كونها “مدعوسة” وخارج أي اعتبار فحسب، ولا لأنّه يتم التعامل معها كأنّها غير موجودة، بل تؤلم كوننا لا نعي الركب المنحدر الذي نعيش فيه. نكاد نشعر أنّنا مروّضين منذ الصغر لنعيش في اعتبارات ضيّقة تحتّم علينا أن نتوسّل حقوقنا وأن نرضى بالقليل القليل.
نستغرق في الهموم المعيشية اليومية والحلول المؤقّتة “لأنّه بدنا نخلص” ونستثمر طاقاتنا في العداء السياسي وكراهيتنا لبعضنا البعض من دون أن ننظر إلى الصورة من بعيد “جميعنا في مستوعبٍ كبير للنفايات معاً”.
جميعنا، سواءً كنّا من مناصري حزب اللّه أو تيّار المستقبل أو حزب الكتائب أو التيّار الوطني الحر. جميعنا – الطبقة الفقيرة التي تنازع لتكون في الطبقة المتوسطة الحال – نشرب المياه الملوّثة، جميعنا نصلح سيّاراتنا يومياً تقريباً من جراء الطرقات السيّئة، جميعنا نأكل اللّحوم الفاسدة ونشتري الأدوية المزوّرة، ويكاد حلمنا الجماعي أن يكون جناحيّ طيّارة يحملاننا إلى البعيد.
جميعنا اليوم يواجه خطر تفشّي الجراثيم في المدينة وجميعنا يواجه خطر إقفال محلّه التجاري نظراً إلى وضع البلد الاقتصادي، جميعنا يواجه خطر الموت في تفجير ما وجميعنا يلعن هذه الحياة ويقول في سريرة نفسه “قرفنا”.
جميعنا ولكن بدل أن تجمعنا المصيبة، نجدنا نتراشق بالتهم ضد بعض ونجدنا نريد أن نقصي الآخر. جميعنا نتشارك معاً كلّ هذا الانحدار ونجدنا بدل أن نغرق في بكاء جماعي، نضع المتاريس قبالة بعضنا البعض ونترك لبنان عرضةً لحرب أهليّة جديدة، كلّ هذا ونتباهى بعدها بذكاء اللّبناني وسعة حيلته. عجيب أمر هذا الشعب العظيم!

السابق
النفايات تتكدّس في بيروت.. فهل تتحوّل إلى نابولي أخرى؟
التالي
بهية الحريري تدعو اهالي عرسال الى الهدوء