توافق أميركي – إيراني جديد حول العراق

امريكا

مرة أخرى تلتقي الإرادتان الإيرانية والأميركية ضمنياً في الشأن العراقي. فبعد أن رجحت طهران وواشنطن كفة رئيس الوزراء نوري المالكي على حساب غريمه إياد علاوي لتولي رئاسة الحكومة الحالية عقب انتخابات عام 2010، عرضتا أخيرا على بغداد المساعدة في معركتها ضد «القاعدة» وفروعها المحلية في مناطق غرب البلاد.
نقطة الالتقاء الجديدة، لم تكن نتيجة حتمية للانفتاح في العلاقات بين طهران وواشنطن بعد التوافق الدولي حول ملف إيران النووي، بل جاءت حسب ديبلوماسي غربي شاب يتحدث العربية بإتقان لـ «رغبتيهما الجامحة في محاربة عدوهما المشترك، المتمثل بتنظيم القاعدة».
الديبلوماسي الذي التقته «الراي» على طاولة عشاء عمل في بغداد، أكد ان «مصالح واشنطن وطهران اجتمعتا هذه المرّة على قضية مشتركة بينهما تتمثل في تهديدات تنظيمات القاعدة المتواترة ضدهما»، منطلقا في رؤيته هذه من الشعارات المعادية والعبارات العدائية التي دائما ما تصدح بها حناجر «القاعديون» ضد أميركا وإيران على حد سواء.
ووفقا للديبلوماسي نفسه، الذي فضل الإبقاء على اسمه بعيدا عن الإعلام، فإن «التعاون بين هذين القطبين الدوليين في هذه المسألة – ويقصد هنا مقاتلة القاعدة بالوكالة عبّر دعمهما للقوات العراقية – سيُزيد من تقاربهما، وتاليا حلحلة القضايا العالقة بينهما في ملفات أخرى تخص دول المنطقة ومنها الأزمة السورية تحديدا».
ورغم أن الحديث عن «تعاون غير مُخطط له» بين طهران وواشنطن في هذا الشأن، يتقاطع مع معلومات تاريخية تفيد بأن «نشأة القاعدة تم على أياد أميركية» وأخرى مُستحدثة تتحدث عن «رعاية إيرانية لعناصر هذا التنظيم الدولي».
بيد أن توافق الإرادات الأخير بين الجمهورية الإسلامية وبلاد «العم سام» أتضح من خلال أبداء مسؤولين بارزين في كلا البلدين، دعم ومساندة بلادهما للحكومة العراقية وقواتها العسكرية التي تقاتل فروع «القاعدة» المحلية في مناطق متفرقة بعضها قريب من الحدود مع سورية والأخرى تقع على تخوم العاصمة بغداد.
الدعم الأميركي ظهر جليا في الاتصالات الهاتفية الواردة من واشنطن، إذ تحادث نائب الرئيس جو بيدن مع رئيس الوزراء نوري المالكي، مرتين في غضون ثلاثة أيام فقط. حيث جدد مسؤول الملف العراقي في البيت البيضاوي في اتصاله الثاني دعم بلاده ومساعدتها للعراق في معركته ضد ما اسماه بـ «الإرهاب الدولي»، بينما اتفق الرجلان في المكالمة التلفونية الأولى على «استمرار تعميق الشراكة الأمنية بموجب اتفاق إطار العمل الاستراتيجي».
كذلك هاتف وزير الخارجية جون كيري في مكالمتين منفردتين نظيره هوشيار زيباري ورئيس البرلمان أسامة النجيفي، أكد فيهما على التوالي «وقوف الولايات المتحدة مع حكومة العراق الدستورية في مواجهة القاعدة والمجاميع الإرهابية»، وشدد على ضرورة «الحاجة إلى اجراءات وخطوات سياسية لدعم الجهد الأمني وتعزيز الوحدة الوطنية في مواجهة التحديات».
وفي خطوة اعتبرت «مسعى جديا من الإدارة الأميركية لدعم العراق في معركته ضد تنظيمات القاعدة وحواضنها المحلية».
وأوفدت واشنطن نائب مساعد وزير الخارجية الأميركية ومستشار الوزارة لشؤون العراق وإيران بريت ماكورك إلى بغداد، للقاء المسؤولين المحليين وحضهم على «دعم جهود الحكومة المتواصلة لإلحاق الهزيمة بإرهاب القاعدة ودحرها».
ماكورك الذي رُشح سابقا لمنصب سفير أميركا في بغداد قبل أن تطيح به «علاقة مشبوهة» مع مراسلة صحافية، بحث الخميس الفائت مع زيباري آخر مستجدات التحركات العراقية والأممية «لاستصدار بيان رئاسي من مجلس الأمن يدعم جهود حكومة بغداد في خططها لمكافحة الإرهاب(…)». وهو ما تحقق في نهاية المطاف. بينما في لقائه مع النجيفي شدد الطرفان على ان «القاعدة هي الخطر الأكبر الذي يهدد المنطقة والعالم».
وإلى أبعد من المؤازرة الكلامية والتحركات الديبلوماسية، تفيد معلومات وتقارير إخبارية بأن السلطات العراقية حصلت على أسلحة وإسناد استخباري وجوي عبر «طائرات من دون طيار» من الجانب الأميركي مكنتها من تحقيق نجاح عسكري في مسرح الاشتباكات مع «الداعشيون».
كما تشير الأنباء الواردة من واشنطن، إلى أن الكونغرس سيسمح ببيع صفقة جديدة من الأسلحة للعراق سبق أن تم التعاقد عليها، من بينها طائرات هجومية من نوع (أباتشي) و «F16» وتأجير طائرات من هذا النوع وأخرى من دون طيار.
من جهتها، «وضعت طهران إمكاناتها العسكرية واللوجيستية رهن الطلب العراقي»، حسب وكالات أنباء رسمية. ودفعت باتجاه تحشيد مواقف الأحزاب السياسية التي ترتبط معها بعلاقات وثيقة وتاريخية، لشد أزر حكومة المالكي رغم الخلافات الناشبة بين الأخير وبعض حلفائه في التحالف النيابي الحاكم.
كما حضت القوى السياسية والزعماء العراقيين على المساهمة بدعم قوات بلادهم في قتالها ضد الجماعات المتشددة المدعومة من دول وجهات إقليمية بعضها معاد، والآخر متوجس من تحركات طهران في المنطقة.
وينكشف الدعم الإيراني من خلال تصريحات على لاريجاني رئيس مجلس الشورى، أعرب فيها عن «استعداد طهران لتقديم المساعدة، والمساهمة في حل مشاکل العراق الشقيق».
التوافق غير المُحضر له بين الإيرانيين والأميركيين في الشأن الداخلي العراقي، لا يقابله شيء مماثل في شؤون دول أخرى في المنطقة تعاني من أزمات سياسية وأمنية مثل سورية والبحرين ولبنان.
إذ سبق أن التقت الإرادتان الإيرانية والأميركية حيال قضية عراقية، ففي الفترة التي كان يسود فيها «العداء المستميت» بين البلدين ما قبل فترة الاتفاق النووي، اجتمعتا على نقطة ثانوية في صراعهما المُحتدم آنذاك، ألا وهي رأب الصدع السياسي الذي نشب في ديسمبر 2012 على خلفية اتهامات إرهابية موجهة ضد طارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية السابق.
وتعتقد أوساط المراقبة، بأن للتحركات الإيرانية الأميركية ان تخفف من حدة الاحتقان المُتضخم في المنطقة. وهنا لا يستبعد الديبلوماسي الغربي، أن يضفي توافق الإرادات بين « محور الشر » و»الشيطان الأكبر » إلى نتيجة مرجوة من قبل العراقيين، الا وهي « إبعاد المخاطر المحدقة ببلادهم، بسبب الأزمة السورية المستعرة، والأجواء المشحونة طائفيا في عموم منطقة الشرق الأوسط ».

السابق
‘التواضع’ المفاجئ لـ ‘حزب الله’ يفتح الشهية على أسئلة مثيرة
التالي
الحياة: حزب الله وبري أرادا تفادي الإحراج إذا قامت حكومة حيادية