حرب استنزاف ايران

التصعيد الخطابي للجنرال محمد علي جعفري قائد “الحرس الثوري”، وعدد من القيادات العسكرية في “الحرس” والجيش معاً، يقابله تصعيد صامت وفاعل ومن نوع اخر، إذ يواجه الحرس معارضة غير مسبوقة داخل مؤسسات الدولة. ذلك ان الوزارات ترفض تمرير العقود التي يأتي بها “الحرس” من دون التدقيق بها كما كان يجري في السابق، وفي أحيان كثيرة يتم رفض بعضها بحجة عدم وجود ميزانية كافية او لان مضمون العقد غير ضروري او لانه يمكن تأجيله لانه غير ملح. هذا التعامل الجديد مع “الحرس” وطلباته كما ترى مصادر إيرانية مطلعة، يعود الى عودة الحياة الى الدولة في مواجهة الثورة وتقدمها عليها خطوة خطوة، ورغبة حقيقية من المجتمع المدني الإيراني في اعطاء ما للدولة المدنية للدولة وما للأجهزة الثورية ما لها. لكن اكثر ما يدعم الموقف من طلبات “الحرس”، هو الأزمة الاقتصاية التي أرقامها تتكلم عنها والتي اصبحت معروفة من جميع الإيرانيين .
هذه الحدة من المجتمع المدني الإيراني، يقابلها صبر شديد من الرئيس حسن روحاني، الذي يتجنب الرد على كل تصريحات قادة “الحرس”، وعلى قاعدة “الصبر مفتاح الفرج”. يعمل روحاني وهو متيقن من أمرين:
[ ان نجاح المفاوضات مع الولايات المتحدة الاميركية، سيعيد اولاً الحياة الى الاقتصاد الإيراني، مما سينتج تغييراً كاملاً في المزاج الشعبي العام ولن يستطيع احد سواء كان من الحرس او من المحافظين المتشددين الممسكين بمفاصل مهمة في النظام، ان يقف في وجه تنفيذ “خريطة الطريق” التي وضعها .
[ ان فترة خدمة الجنرال جعفري والعديد من القادة العسكريين سواء في “الحرس” او الجيش، تنتهي بين حزيران ومطلع أيلول من العام . المشكلة الوحيدة هي في فترة خدمة قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني منذ العام. ويبدو ان مستقبله مرتبط بمستقبل الحرب والتسوية في سوريا .
لا شك في ان الجنرال سليماني وبدعم مطلق وغير محدود من المرشد أية الله علي خامنئي، يخوض في سوريا معركة “المربع الاخير” لكل الاستراتيجية الخامنئية. الرئيس حسن روحاني الذي سبق له وان قال امام الحرس “ان سوريا في موضع حساس، والنزاع ليس حول شخص الرئيس” لا يمكنه حاليا وقد انطلق المسار السياسي لحل المشكلة السورية، مغادرة المعركة، رغم انها تشكل عملية استنزاف لا تحتمل للاقتصاد الإيراني. وتقول مصادر إيرانية موثوقة: “ان ايران حققت انتصارا عسكريا كبيرا جداً في سوريا، وهزيمة اقتصادية ضخمة خصوصا بالنسبة لهذه المرحلة . من ذلك انه اذا كانت ايران لم تضخ للنظام السوري في العامين الاول والثاني اكثر من ثمانية مليارات، فإنها في العام أمدت النظام السوري بحوالي ثلاثة مليارات شهريا اي ما يعادل مليار دولار، والمقاتلين من حزب الله والشيعة العراقيين المنضوين في لواء ابو الفضل العباس وتشكيل وتدريب المليشيات السورية المنضوية في الجيش الوطني. وما ذلك الا لان المرشد خامنئي أدرك ان خسارة الحرب وسقوط الاسد اصبحا مؤكدين، فكان الحل في اللعب “سولد”.
النظام الإيراني كله في سوريا في مأزق. يدرك الجميع خصوصا المرشد خامنئي ان الانتصار العسكري لا ينتج بالضرورة انتصارا سياسيا، فقد سبق لفرنسا ان انتصرت في الجزائر عسكريا وهزمت سياسيا، كذلك الاتحاد السوفياتي انتصر في افغانستان عسكريا وهزم سياسيا، لذلك يجب الإسراع في الحل في سوريا. وما يعزز موقف روحاني في الدفع نحو التسوية ان الجميع اصبح مقتنعا بان الرئيس باراك أوباما يهمه إطالة الحرب في سوريا ليستكمل استنزاف ايران.

السابق
مقاومة السنيورة المدنية: من تستهدف وكيف ومتى؟
التالي
السفارة الاميركية تدعو مواطنيها الى تجنب السفر الى لبنان