حرب سياسية بـ التكفيريين بين «8 و14 آذار»

… وصار للمواجهة في لبنان «واجهة» جديدة: «التكفيريون». فهذا العنوان باتت تستظلّه المخاوف الأمنية وتستخدمه قوى سياسية كـ «متراس» لإطلاق النار على خصومها و»حشْرهم في الزاوية» في غمرة ملامح محاولات لاستدراج تحالف اقليمي – دولي ضد «التطرّف» على ايقاع المساعي لترميم علاقة الغرب مع إيران من بوابة معالجة ملفّها النووي وإعادته الى «بيت الطاعة» الدولي.
واللافت في بيروت ان شعار «الخطر التكفيري» تحوّل شبه «ناظم» للواقع اللبناني على مستويين:
* الاول أمني من خلال الحملة غير المسبوقة للجيش اللبناني في صيدا منذ أعوام طويلة تحت عنوان الاقتصاص من «المجموعات التكفيرية» التي استهدفت المؤسسة العسكرية ليل الاحد الماضي في جسر الاولي ومجدليون وضبط نحو 20 انتحارياً يخططون لتفجيرات في عاصمة الجنوب وجوارها وقطع الطريق على ما يُحكى عن مخطط لاستهداف الجيش، وهو السلوك الذي يُنتظر ان يتمدد الى مناطق أخرى ولاسيما في البقاع.
* اما المستوى الثاني فسياسي، وتعبّر عنه الحملة المتصاعدة من «حزب الله» والتي بلغت حدّ رسم سقف عالٍ جعل قوى 14 آذار والتكفيريين في «خانة الشراكة» إما «الاحتضانية» او «التغْطوية»، وسط اعتبار اوساط الحزب «ان الظروف التي يعيشها لبنان مشابهة لتلك التي تلت اغتيال الرئيس رفيق الحريري، بمعنى أن أي كلام لخصوم تيار المستقبل كان يُصنف في خانة قتلة الحريري واليوم انعكست الصورة ليستعيد الحزب تلك الفترة ويؤكد ان أي تبرير لعمليات التكفيريين يوازي المشاركة فيها».
وبإزاء هذه الصورة القاتمة، ترى اوساط مطلعة عبر «الراي» ان المناخ الراهن في لبنان يعكس دخول البلاد مرحلة بالغة الدقة والخطورة تلاقي الواقع المفصلي في الازمة السورية مع بدء العد التنازلي لمؤتمر جنيف -2، معتبرة ان الخطورة الأكبر ظهّرتها اتهامات فريق 8 آذار بان استخدام ورقة التكفيريين واستهداف الجيش في هذه المرحلة هو في اطار الضغط لحسم استحقاق الانتخابات الرئاسية على قاعدة التمديد للرئيس ميشال سليمان تحت عنوان «الحيثية الامنية القاهرة»، مقابل اتهام قوى 14 آذار خصمها بالنفخ في العنوان التكفيري وحتى استيلاده إما بسياسات وممارسات القهر او بتحريك مجموعات مخترقة من النظام السوري لإحداث توترات او حتى تفجيرات وذلك بهدف توجيه رسائل تهديد الى رئيس الجمهورية ومحاور دولية واقليمية لقطع الطريق على تشكيل حكومة جديدة في ربع الساعة الأخير من بدء المهلة الدستورية لانتخاب خلَف لسليمان، وهو الامر الذي يعني، اذا تمّ، تحرير هذا الاستحقاق من ضغط التهديد بالفراغ الكامل بحال تعذّر حصوله لان الحكومة التي يوقّع سليمان والرئيس المكلف تمام سلام مراسيم تأليفها ترث هي صلاحيات الرئاسة ولو لم تنل ثقة البرلمان.
وتعبّر الاوساط المطلعة نفسها عن خشية من ان يتم تحت غطاء «الخطر التكفيري» تنفيذ عمليات «اقتصاص» من مناطق ذات حساسية في «جغرافيتها السياسية» بالنسبة الى الحرب السورية وتحديداً بالنسبة الى معركة القلمون، وخصوصاً عرسال التي اعلن الجيش اللبناني امس توقيف ستة سوريين في جرودها تبين انه كان في حوزتهم قنابل وجهاز رؤية ليلي، ودخلوا لبنان بطريقة غير شرعية وعلى دراجات نارية. ويتهم «حزب الله» واعلام 8 آذار البلدة بانها ممر للسيارات المفخخة.
كما تبدي الاوساط نفسها خشية من ان تجري تحت ستار واقع ان «الجيش خط أحمر»، وهو العنوان الذي يوجد تسليم دولي به سواء في ما خص لبنان او دول المنطقة «المتوترة»، ما يشبه «المناقصات الأمنية» لتفويض أطراف اقليميين و«أذرعتهم» لبنانياً مهمة التصدي لـ «التطرف» الذي تعبّر عنه مجموعات تصطدم بالجيش سواء لاعتبارات دينية او لأنها تُدفع الى مثل هذه الصدامات إما نتيجة «تراكمات» في التعاطي معها او بفعل «توريط» للمؤسسة العسكرية وإن من باب «سوء التقدير».
وتدعو هذه الاوساط الى التنبه مما يمكن ان يقع في عرسال التي تتراكم فيها الحساسيات حيال الجيش، وسط مخاوف لأطراف في 14 آذار من دفع المؤسسة العسكرية الى مواجهة مع هذه البلدة السنية في محيط شيعي تكون «بدلاً عن ضائع» لصِدام لا يريد الانخراط فيه أفرقاء لبنانيون ومن شأن حصوله ان يقدم «هدية ثمينة» للنظام السوري الذي يخوض مع «حزب الله» معركة استراتيجية في القلمون ولا سيما ان عرسال ترتبط بسورية بحدود بامتداد نحو 55 كيلومتراً مترامية من محافظة ريف دمشق الى محافظة حمص.
وبقيت منذ سقوط القصير بمثابة «رئة» للجيش السوري الحر في شريط القرى المحاذية لسلسلة جبال لبنان الشرقية.
ولم تحجب هذه الوقائع الأنظار عن الوضع السياسي العالق بين حكومة تستمر محاولات تشكيلها «العقيمة» منذ تسعة اشهر ونيف، وانتخابات رئاسية لا تشي معطيات المرحلة الراهنة بانها ستحصل في موعدها.
وبدا واضحا في الأيام الأخيرة أن رئيس الجمهورية أبلغ مَن يعنيهم الأمر أنه لن يترك القصر الجمهوري فيما الفراغ يسود البلاد، بل سيعمد مع الرئيس المكلف تمام سلام، إلى تشكيل حكومة، حتى لو لم ترض أي طرف في البلاد، وهو الامر الذي سبق ان رفضته قوى 8 آذار وحذرت بلسان «حزب الله» من حصوله لانه سيرتّب «الفوضى» وقد يُقابل بعدم تسليم الوزارات، ناسفة شرعية اي حكومة تتولى صاحيات الرئاسة ما لم تكن نالت مسبقاً ثقة البرلمان، ومتمسّكة بحكومة سياسية وفق توزيع 9+9+6 (يحصل فيها كل من 8 و14 آذار على الثلث المعطل) باعتبارها المخرج الوحيد لتأليف الحكومة.

السابق
عقاب صقر يهزأ ببيان الجيش الحرّ عبر جنوبية
التالي
قاعدة تعتدل.. وأخرى تشطح بعيداً