السياسة الفلسطينية والحراك الإقليمي والدولي

يسعى وزير الخارجية الأميركية جون كيري، عبر مقترحاته الأمنية الأخيرة لمنع انهيار المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية بفعل السلوك الإسرائيلي في مجالات مختلفة (هجوم استيطاني، اقتحام متكرر للمسجد الأقصى مترافق مع دعوة لتقسيمه بين اليهود والمسلمين، مضاعفة الإجراءات القمعية من قتل واعتقال وتخريب مزارع في الضفة الغربية، وهدم بيوت في القدس الشرقية، وتشديد الحصار على قطاع غزة، واستحداث أزمة الكهرباء على قطاع غزة، واستحداث أزمة الكهرباء).

يترافق مع هذا السلوك، تصلب تفاوضي واستهلاك متعمّد للوقت، ودعوات سياسية من خارج جدول أعمال المفاوضات (دعوة الرئيس محمود عباس للكنيست، والاعتراف بيهودية الدولة، وبالحق التاريخي لليهود، مقابل اعتراف نتنياهو بحق الوجود للشعب الفلسطيني على أرضه!!).

التصلب الإسرائيلي في المفاوضات، على صلة وثيقة بالاحتجاج الذي أطلقه نتنياهو، على سلوك الإدارة الاميركية في إنجاز صفقة الملف النووي مع إيران احتجاج سمته الصحافة العبرية، بالتجاوز الأميركي لدور إسرائيل وعدم مشاورتها، والتعامل معها على أنها دولة عادية وليست ذات مكانة استثنائية، وصاحبة دور إقليمي رئيسي.

– في هذا السياق يمكن تفسير اهتمام البيت الأبيض بالتطمينات الدائمة للإسرائيليين، كما يمكن تفسير طبيعة ودور المقترحات الأمنية التي جاء بها وزير الخارجية كيري.

– سجلت القيادة الفلسطينية (الرئاسة والسلطة الوطنية) ثباتاً كبيراً على خيارها التفاوضي، لكن التصريحات الصادرة عن أركان الوفد التفاوضي قالت للناس الحقيقة، حول ما يجري في المفاوضات، بما لا يترك مجالاً لأي وهم حول إمكانية الوصول إلى نتائج ذات قيمة، طالما استمر الموقف الإسرائيلي على حاله. بينما عملية التعديل الممكنة، لا تتم بمعزل عن الضغط الأميركي، وتوفر الإرادة لدى واشنطن في تهيئة المسرح لنجاح التسوية التاريخية المنشودة في الشرق الأوسط.

– من المفترض منطقياً، أن تُكلل الإدارة الأميركية نجاحها الأخير في ملف “النووي الإيراني”، بخطوات تنعش أولاً معسكر السلام الفلسطيني، وكذا أنصار السلام في إسرائيل.

وهذا ممكن عبر تكثيف الحضور والمشاركة الأميركية، في تفاصيل العملية التفاوضية، بما يؤدي إلى فتح أفق جديد أمام حل الدولتين، وهذا المطلب جزء من ترجمة دور “الراعي والضامن” الذي كرسته واشنطن لنفسها.

– وما يساعد على فتح أفق جديد، هو التعديل المفترض والمرتقب للسياسة الإيرانية في المنطقة، في حال استطاع الرئيس روحاني البرهنة على صدق النيات. واقترنت الأقوال بالأفعال.

إذ تفرض المصالحة الإيرانية – السعودية ما ينسجم معها من سياسات تجاه المسألة الفلسطينية وتجاه القيادة الشرعية للشعب الفلسطيني، التي لم تغلق باب الحوار وتصحيح العلاقات مع الرئيس المتطرف أحمدي نجاد، فكيف مع الرئيس الإصلاحي روحاني؟

– بدورها تدفع المملكة السعودية بقوة شديدة في اتجاه توسيع مجلس التعاون الخليجي، والارتقاء في علاقاته الداخلية نحو صيغة اتحادية وبعد استقطاب الأردن والمغرب لعضويته، فإن ثمة حضور إضافي لفلسطين، فضلاً عن حضورها الدائم في سياسة الرياض وأولوياتها.

يتجسد الحضور الإضافي بدور المغرب وقيادته “لجنة القدس الشريف” وكذلك بما يمثله الأردن من دور ووظيفة مهنية حاملاً لأمانة المسجد الأقصى فضلاً أنه الحامل الأول للهم الفلسطيني سياسياً وديمغرافياً، وجغرافياً.

– ما تقدم ينسجم مع مسعى القيادة الفلسطينية الدائم للحفاظ على المسألة الفلسطينية في حالة اصطفاف فاعل مع “مبادرة السلام العربية” وفي حالة احتضان سياسي وعملي. وهذا من شأنه المراكمة في اتجاه تفعيل “نظام المصلحة العربية” المتوافق مع نظام المصلحة الوطنية لكل بلد عربي، وخاصةً لفلسطين.

– وفي حسابات القيادة الفلسطينية على المدى المباشر والقريب، يحتل المتغير المصري وزناً استثنائياً، بما يملكه من قوة مضافة، حين تستقر المعادلة الداخلية، وتصل خريطة الطريق، إلى نهاياتها المنشودة، حيث يمكن رصد اتجاهات السياسة المصرية في مسارين:

الأول: يرتكز على التنسيق مع العربية السعودية، فيما يتعلق بسياسات الإقليم واستحقاقاته ومنها الاستحقاق الفلسطيني ومتطلباته الداخلية والخارجية بما فيها مسألة المصالحة الوطنية بين فتح وحماس.

والمسار الثاني: إعلاء وزن العناصر السيادية المصرية، والدور الريادي في المنطقة، ومن عناوين هذا المسار الدعوة لإخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، بعد نزع الكيمياوي السوري، والتزام طهران بالبرنامج السلمي للطاقة النووية، ما يجعل السلاح النووي لإسرائيل هو الهدف الإقليمي والدولي المشروع للمطالبة بنزعه ووضعه تحت الرقابة.

– إن مرحلة جديدة تتبلور معالمها تدريجياً في الشرق الأوسط، والخيار السياسي الفلسطيني مازال متماسكاً في أدائه وسلوكه وخطابه لإنجاز حل الدولتين، في المدى المنظور، بينما يرتفع منسوب التطرف والسلوك العنصري داخل إسرائيل، ويطال أيضاً الفلسطيني هناك في الجليل والنقب وغيرها، بإجراءات وقوانين تنتمي لثقافة “الابارتهايد”، على ما وصفتها بعض المؤسسات الإسرائيلية الناشطة في حقل السلام.

فإن كانت واشنطن، تسعى لوضع حكومة إسرائيل على سكة السلام الشامل في الشرق الأوسط، فإن هذا الأمر لا ينجز بواسطة الحلوى فقط.

إن معسكر السلام الفلسطيني، يواجه انتقاداً داخلياً حاداً، من مختلف الفئات الاجتماعية، والأوساط السياسية، انتقاداً ينطلق من حيثية فشل المفاوضات في إنجاز شيء ملموس، ومن حقيقة تدهور أوضاع الفلسطينيين في الوطن والشتات وهذا ما يدعو إلى البحث عن بدائل استراتيجية وتكتية، عند قسم كبير من المعتدلين الفلسطينيين، فكيف هي الحال عند المتطرفين.

لم يفت الوقت بعد.. ثمة إمكانية لانتصار معسكر السلام، إذا أحسنت واشنطن رعاية المفاوضات والسير بها نحو حل الدولتين.

السابق
سليمان لن يؤلف حكومة طالما بقي لديه أمل بالتمديد
التالي
سلام يكرر إنتقاده لـحزب الله: المهمة صعبة ولن أستقيل