السفير: دولة الفضائح الكل يتهم الكل .. ولا محاسبة

كتبت “السفير ” تقول:  قبل ان تعصف مناخياً في لبنان بوصول العاصفة “الكسا” اعتبارا من بعد ظهر اليوم، عصفت سياسياً، وبدل أن يتابع اللبنانيون الإرشادات في شأن مواجهة عاصفة الطقس، وجدوا أنفسهم أمام “اشتباك وزاري” يتراشق بطلاه بالاتهامات ويتقاذفان المسؤوليات وينشران غسيل بعضهما البعض.

أبرز ما في “الاشتباك” بين وزير الاشغال غازي العريضي ووزير المال محمد الصفدي امس، هو ان كلا منهما حرص على تبرئة نفسه وتقديم مضبطة اتهام بحق الآخر، حتى كاد المواطن اللبناني يعتقد أنه هو المسؤول عن شريط الفضائح الموصوفة الممتد من “فيضان المدينة الجامعية في الحدث” الى “طوفان نفق المطار” الى “الزيتونة باي” الى بحر البربارة وصولا الى سجن رومية وفضيحة ترميمه وما كشفته التحقيقات في شأنها، والتي تطرح علامات استفهام حول أسباب عدم الإعلان عنها وتحديد المتورطين فيها حتى الآن، خاصة أن هذه التحقيقات قد انتهت منذ مدة.

واذا كانت علامات استفهام كثيرة ترتسم حول سر انفجار العلاقة بين وزيرين في حكومة واحدة، وبلوغها هذا المستوى من الحدة في الاتهام، فإن الخلاصة التي رسا عليها “اشتباك الوزيرين” أنه قدم مثالاً حياً على تراكم الاهتراء الذي يسود “دولة الفضائح” حيث الكل يتهم الكل من دون أن يبادر أحد الى محاسبة أو مساءلة المرتكبين المعروفين بالأسماء ومكان الإقامة.

“اشتباك الوزيرين” تزامن مع ضربة رئاسية قاضية أسقط بها رئيس الجمهورية ميشال سليمان محاولة إعادة إحياء الحكومة المستقيلة. فبعد ان قال رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي بإمكان العودة الى عقد جلسات لمجلس الوزراء لبحث الأولويات ومن ضمنها ملف النفط ومشى الى جنوب افريقيا، انتهز الرئيس سليمان فرصة لقائه وفد مجلس نقابة الصحافة ليقطع الطريق على محاولة تعويم الحكومة ويؤكد انه “لا يرى ما يستوجب ذلك. فضلا عن أن الرئيس ميقاتي لم يفتح معي هذا الموضوع”.

وفيما أطلق “تيار المستقبل” وسائر فريق “14 آذار” حملة اعتراضية على تعويم الحكومة ورفض ما أسمتها مصادر قيادية في التيار “محاولة واضحة لإسقاط تمام سلام” ملوّحة بتصعيد سياسي في الآتي من الأيام، قالت مصادر رئاسية لـ”السفير” إنها وجدت “أن مبادرة ميقاتي لتعويم الحكومة تمس مباشرة الرئيس المكلف، وهي سابقة ليس في الإمكان القبول بها أو تكريسها، وهذا ما يرفض رئيس الجمهورية أن يكون شريكاً فيه”.

ولوحظ ان سليمان انطلق في قطع الطريق على هذا التعويم من باب النفط، رافضاً أن تقاربه الحكومة المستقيلة ومتسلحاً بقرار مجلس شورى الدولة الذي لا يعطي للحكومة المستقيلة حق التوسع بالبحث واتخاذ القرار في ملف النفط، وتساءل “لماذا الاستعجال؟ نحمد الله أن النفط ما زال تحت الارض، ولو كان فوق الارض لكان قد ضاع”. وجاء هذا الكلام فيما كان الملف النفطي مدار بحث بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ووزير الطاقة والمياه جبران باسيل الذي كرر اتهامه “تيار المستقبل” بتعطيل ملف النفط وطالبه بالتسهيل.

على صعيد آخر، وفيما قالت مصادر ديبلوماسية فرنسية لـ”السفير” ان سليمان سيزور العاصمة الفرنسية نهاية الاسبوع الحالي، نفت أوساط قصر بعبدا ذلك، مشيرة الى انه “ليس في جدول أعمال رئيس الجمهورية حاليا أية زيارات خارجية”.

اشتباك العريضي ــ الصفدي
من جهة ثانية، برز في الساعات الماضية الاشتباك الكلامي بين وزيري الأشغال والمال اللذين تبادلا الاتهامات حول بعض المشاريع والأداء الإداري. وفي هذا الإطار اتهم العريضي الصفدي بأنه قال انه لن يوقع على أي معاملة إلا اذا وقع له (العريضي) على معاملات تتضمن مخالفات في “زيتونة باي”، كاشفا عن ان الصفدي عندما كان وزيرا للاشغال العامة ارتكب مخالفة في البربارة وبنى ميناء من دون ترخيص أو إجازة وهو الآن يطلب ترخيصاً بتدعيمه، واتهمه بعرقلة كل الطلبات التي تقدمت بها وزارة الاشغال لتنظيف مجاري المياه قبل الشتاء.

ورد الصفدي على اتهامات العريضي فاعتبره وزيراً مقصراً وفاشلاً في أداء مهامه، واضعاً هجومه عليه في الإطار السياسي بهدف الحيلولة دون توليه رئاسة الحكومة في المستقبل. واذ نفى ان يكون قد عرقل صرف الأموال لصيانة الطرق، رد امتناعه عن تلبية طلبات العريضي المالية الى مذكرة وردت من الرئيس ميقاتي للتقيد بالحدود الضيقة لتصريف الأعمال. واعتبر اتهامه بارتكاب مخالفات في “زيتونة باي” كذباً، كما طالب بإرسال لجنة للكشف على منزله في البربارة، والكشف كذلك على منزل العريضي في بيصور.

ويبدو ان موضوع الاعتمادات سيبقى مشكلة قائمة ومتفاعلة داخل حكومة تصريف الاعمال بين وزير المال ووزراء آخرين، ما يعزز احتمالات تكرار “الاشتباكات” الوزارية في أكثر من قطاع، ولا سيما في الأشغال العامة، والكهرباء المقبلة على تقنين حاد في ظل عجز مؤسسة الكهرباء الذي يتخطى الثلاثة آلاف مليار ليرة سنويا (ص 7).
من جهة ثانية قال الوزير الصفدي لـ”السفير” ان تمويل المحكمة الدولية بمبلغ 58 مليار ليرة سيتم قريبا من احتياط الموازنة، وفق مرسوم يوقعه رئيسا الجمهورية والحكومة والوزراء المعنيون.

السابق
النهار: الحكومة المستقيلة تتداعى تحت وطأة الفضائح
التالي
الديار: صراعات بالجملة حول جلسة الحكومة والسلاح والأمطار والنفط وحكومة جديدة