التفاهم الأميركي – الإيراني: سوريا ثمّ لبنان

الإعلان عن موعد انعقاد مؤتمر “جنيف -2” حمل في طياته إشارة بليغة ذلك أنه جاء فوراً عقب ولادة الاتفاق حول الملف النووي الإيراني بين طهران والعواصم الست والذي هو في الحقيقة اتفاق أميركي – إيراني بالدرجة الاولى.
وبعيداً عمّا اذا كان موعد 22 كانون الثاني سيُحترم، أم انه قد يتعرّض للتأجيل مجدداً، فإنّ مجرّد التزامن يحمل في طياته إشارةَ حصول توافق ما أميركي – إيراني حول خطوط عريضة للملف السوري.
وقد يكون من المبكر جداً اكتشاف “الملحق السري” الذي واكب الاتفاق النووي بين واشنطن وطهران، إلّا أنّ إشارات الارتياح الصادرة عن المسؤولين الكبار في البلدَين يمكن أن تفتح بابَ الاستنتاجات. وتردّد انّ هذا الملحق السري طاول الوضع في العراق والملف السوري بتشعباته وتعرجاته وخيوطه المتشابكة، وأنه أخذ الحصة الأكبر من التفاوض.
اما في ما خصّ الواقع اللبناني فإنّ ما تردّد أشار الى أنّ الطرف الاميركي سأل الايرانيين عن “حزب الله” مرّات عدة، وكان المسؤولون الايرانيون يقفلون بابَ البحث فوراً، ربما في إشارة الى انّ الوقت ما زال مبكراً لفتح الملف اللبناني.
وقرأ الطرف الاميركي في ذلك تثبيتاً للمعادلة التي دفعت “حزب الله” الى الانخراط مباشرة في معارك سوريا والتي تقول إنّ الاولوية هي لما ستؤول إليه الاوضاع السورية كون ذلك سيؤثر مباشرة في المشهد اللبناني.
وإنطلاقاً من هنا بدت القيادة الروسية صاحبةَ الدور المستجد والمتعاظم في الشرق الاوسط، في حال اطمئنان وثبات، وهي التي تلعب دور العرّاب للنظام السوري. كذلك بدت السلطات الإيرانية والتي لديها مصلحة حيويّة مع النظام السوري في وضع الذي حقق نقاطاً ثمينة في الصفقة التي حصلت. وفي المقابل بدت المواقف الاميركية الضعيفة أحياناً والمتناقضة احياناً أُخرى وكأنها تحضير لواقع قد لا يُرضي الأطراف المحسوبة على واشنطن.
وهكذا وجّهت هذه الأطراف ما يشبه الرسائل المتوجّسة من خلال المعارضة السورية حول رفض المشاركة في مؤتمر “جنيف – 2” تشارك فيه إيران أو النظام السوري، لكنّ ما كُتِب قد كُتِب ولو انّ المشوار الاميركي الجديد في الشرق الاوسط ما يزال في بدايته.
فالأوساط الديبلوماسية الاميركية المطّلعة أبلغت الى العواصم الاوروبية المعنية خلال الايام الماضية أنّ ما حصل حتى الآن يُعتبر بداية ممتازة مرشحة لأن تتوسّع أكثر كلما تقدم الوقت، وأنّ جميع اطراف الشرق الاوسط ستستفيد ايجاباً من هذه الديناميكية التي انطلقت. وشبّهت هذه الاوساط السياسةَ الأميركية مع إيران بالدائرة التي يُحدثها سقوط “بحصة” في المياه الراكدة والتي تبدأ صغيرة ثم تتوسع اكثر فأكثر.
لذلك تبدو مهلة الستة أشهر لإنتاج تفاهمات جديدة مسألة مهمة جداً، خصوصاً بالنسبة الى دول الخليج ولبنان ايضاً. وحسب الاوساط الديبلوماسية المعنيّة فإنّ إشارات “تعقّل” وصلت الى واشنطن، ومصدرها القيادة السعودية، ذلك انّ المسؤولين الاميركيين يدركون أنّ المواقف السعودية الغاضبة التي صدرت في الفترة الاخيرة إنما تفتقد الى الأُفق الجدّي.
ذلك أنّ المملكة التي باتت تتحمّل دعماً مالياً مرهقاً لليمن والبحرين ومصر والاردن والعراق ولبنان وسوريا، تعرف جيداً أنّ مشكلات الحوثيين الامنية تهدّد خاصرتها. ما يعني في التقديرات الأميركية أنّ المنعطف الحاصل في الشرق الأوسط سيفيد السعودية في بعض جوانبه.
اما بالنسبة الى لبنان فلا بدّ أنه امام ولادة جديدة وطالما أنّ التحضيرات تجري للتفاهم على سوريا الجديدة، فهذا يعني أنّ لبنان لن يكون بعيداً عن التطورات المرتقبة.
فعلى الصعيد الامني أولاً بات واضحاً حصولَ توافق عام للقضاء على التنظيمات المتطرّفة والتي باتت تسيطر على مساحات واسعة في سوريا وتتغلغل في عمق الساحة اللبنانية. وهذا سيعطي دوراً أكبر للمشهد اللبناني في المدى المتطور وفي موازاة التطورات الميدانية في سوريا.
اما على الصعيد السياسي، وعلى رغم ضبابية الصورة فهنالك مَن يطرح معادلة التوازن ما بين سوريا ولبنان، وبمعنى أوضح، أن تكون كلّ نقطة تكسبها المعارضة في سوريا على صعيد التركيبة المقبلة للجمهورية السورية مسحوبة من رصيد الفريق السنّي في لبنان وصلاحياته في الجمهورية الثالثة، أي ما يُعطى هناك يُؤخذ في مقابله وبحجمه هنا.
مع التأكيد على وجود حرص عربي ستتولّى ترجمته روسيا على صعيد حماية الاقليات الدينية وصون مواقعها في التركيبات السياسية سواء في سوريا او في لبنان. ومن هنا تنطلق فكرة تخفيف الواقع المركزي للدولة وتكريس ما يشبه الإدارات المحلية في سوريا (وهو ما يستفيد منه ابناء الطائفة السنّية) واللامركزية الموسعة في لبنان.
من هنا الكلام ايضاً عن ضبابية الملف الرئاسي، وهو ما يطرح احتمالَ حصول فراغ لبضعة أشهر، ربما في انتظار دنوّ موعد المرحلة الثانية من المفاوضات الاميركية – الايرانية بمشاركة روسيّة.
وعلى رغم التشجيع على التمديد للرئيس ميشال سليمان الذي يتولاه الرئيس فؤاد السنيورة، فإنّ الاطراف المؤثرة فعلاً في الاستحقاق الرئاسي تبدو واثقة من عدم حصول التمديد “لأنه يعاكس الظروف الفعليّة للمنطقة”.
في أيّ حال يعتبر السنيورة انّ لا خسارة من حماسته كونها ستمنح فريقه السياسي نقطة اضافية في اطار الاصطفاف الداخلي. كذلك فإنّ العواصم الغربية لا تعتقد أنّ ظروفَ ولادة حكومة جديدة حسب إعتقاد البعض هي ظروف واقعية.
إلاّ أنّ هذه العواصم منشغلة فقط في إيجاد سيناريو دستوري يمنح الجيش اللبناني مسؤوليةَ حماية الساحة اللبنانية خلال المرحلة القصيرة للفراغ الرئاسي عندما يحين، خصوصاً انّ الدستور المنبثق من “إتفاق الطائف” انتزع هذا الحق من يد رئيس الجمهورية.

السابق
من اليسوعية إلى الجمارك
التالي
«سمّ» الصفقة بعد جنيف