حزب الله… بعد مرحلة إيران المشاغبة وسورية الممانعة!

لا يفعل «حزب الله» في هذه الفترة، بالتهديد بـ «قطع الأيدي والأعناق» والتلويح بـ «الانتقال إلى الهجوم»، إلا محاولة ترجمة ما وصفه أمينه العام السيد حسن نصرالله في آخر خطابين له بـ «الأمر الواقع» في لبنان إلى واقع قائم بالفعل ومسلّم بل ومعترف به من الآخرين، وليس مجرد «أمر واقع» بالقوة يدور جدال حوله كما كان حتى الآن.
أما دوافعه إلى هذا العمل، فتبدأ من إيران طبعاً ورغبتها المستجدة لدخول حظيرة الأسرة الدولية، من دون تجاهل سورية حتماً وما سيكون عليه نظامها مستقبلاً، ولا الانتهاء في لبنان. ولا حاجة للقول إن من شأن ذلك أن يفرض على الحزب واقعاً جذرياً مختلفاً، ليس فقط في المنطقة وما كان يقال عن «جبهة المقاومة والممانعة» فيها، بل أيضاً وخصوصاً في لبنان ومصير الحزب فيه. لهذا، لم يعد مقبولاً منه ولا كافياً لديه بالطبع أن يستمر في سياسة حكم البلد من الخلف (نظرية «الأمرالواقع») كما كانت حاله خلال السنوات الماضية، بل بات بصدد تحويل النظرية إلى حقيقة على الأرض… مسلم بها أولاً، ثم معترف بها بقوة الزمن، وربما شرعية ودستورية لاحقاً، تحت عنوان «المؤتمر التأسيسي» الذي طالما دعا إليه وطالب به سابقاً.
ذلك أن قيادة «حزب الله» تعرف جيداً، وربما أكثر من غيرها، أن إيران ضمن الأسرة الدولية لن تكون تلك الدولة المشاغبة والمشاكسة التي كانتها طيلة الأعوام الـ34 على مساحة المنطقة وحتى العالم، بالتالي فمهمة الحزب نفسه ستتغير من دون شك، إن لم يكن في الأمد القريب ففي زمن لن يطول، وإن لم يكن في المنطقة ودول الجوار (سورية وفلسطين تحديداً) فأقلّه في لبنان.
كذلك، باتت هذه القيادة تدرك أن النظام السوري لن يبقى كما كان، لا في سياساته الداخلية حتماً ولا كذلك في علاقاته مع العالم العربي وخضوعه الكامل لقرار إيران الخارجي، حتى لو لم ينجح مثلاً مؤتمر «جنيف – 2» أو «جنيف – 3» في تغيير بنيته جذرياً، أو حتى لو أن النظام نفسه نجح في توجيه ضربة قاصمة للثورة المسلحة ضده في يوم من الأيام.
كيف تكون حال الحزب بعد ذلك في لبنان؟ وأي دور يمكنه أن يلعبه فيه حتى لا نتحدث عن المنطقة كما كان سابقاً؟ وبعد ذلك، ما هو حال الطائفة الشيعية التي صادرها لسنوات وأخذها إلى سلسلة حروب مع اللبنانيين، فضلاً عن السوريين والفلسطينيين والمصريين والخليجيين، وصولاً إلى الكثير من دول العالم وشعوبها؟
هذه هي الأسئلة الكبيرة والمصيرية عملياً التي تنتصب في وجه «حزب الله» الآن، ويحاول أن يجيب عنها بطريقته المعتادة: تحويل ما يسميه «الأمر الواقع» المفروض بالقوة (المسلحة أساساً وغير المسلحة، والمذهبية أولاً ثم الطائفية عموماً، والداخلية والخارجية أيضاً) إلى أمر واقع بالفعل… وكخطوة على طريق قد لا ينتهي إلا بجعله مادة في دستور ما تحدث عنه علناً رئيس كتلته النيابية محمد رعد باسم «لبنان الجديد».
تأتي في المقدمة هنا مقولتا الحزب، ومعه حلفاؤه من المسيحيين لأسباب خاصة بهم، عن «الجيش والشعب والمقاومة» و «الثلث المعطل» في أية حكومة لبنانية يجرى تشكيلها الآن أو مستقبلاً. يريد الحزب، كما يردد قادته وإعلامه منذ غزوة بيروت في 7 أيار (مايو) 2008، أن يجعل المقولتين عرفاً أشبه بالقاعدة التي لا يجوز تجاهلها أو الخروج عليها. وفي هاتين المقولتين، عملياً، ما يصح وصفه بأنه تشريع لدور الحزب في الحياة السياسية اللبنانية باسم «المقاومة» من جهة أولى، و «فيتو» للمذهب الشيعي (عملياً للحزب أولاً وقبل كل شيء) في وجه الطوائف والمذاهب (حتى لا نقول الأحزاب) الأخرى… ما لا ذكر أو حتى تلميح له في الدستور ولا في «اتفاق الطائف» ولا كذلك في «الميثاق الوطني» الذي كان أساس قيام دولة لبنان في 1943.
وهذا تحديداً ما يعنيه قادته عندما يتحدثون عن «الأمر الواقع» وضرورة التسليم به، إشارة منهم إلى ما أمكن تحقيقه في الدوحة، وبالقوة المسلحة العارية نتيجة اجتياح بيروت وبعض الجبل. بل أكثر، فإنهم تعمدوا أن يقفزوا بعد هذا «الإنجاز» فوق ما ورد في اتفاق الدوحة لجهة التعهد بعدم الاستقالة من الحكومة… فأخذوا عملياً ما يريدون، ثم أخلّوا بما التزموا به. وهم يعتبرون الآن ما أخذوه مشروطاً وتمريراً لمأزق كان يعيشه اللبنانيون يومها (احتلال قلب العاصمة، ولا رئيس جمهورية، ومجلس نواب مقفل بقرار متعمد من الحزب وحليفه حركة «أمل» ورئيسها نبيه بري) وكأنه «حق» لا يجوز لأحد الجدال فيه.
أما عن «لبنان الجديد» هذا، فيقول قادة الحزب والناطقون باسمه إنه «لبنان المقاومة» فقط لا غير، أي لبنان «حزب الله» كما هي حاله في هذه المرحلة من تاريخه، وأنه لا لبنان بعد الآن من دون هذه المقاومة أو هذا الحزب.
لكن أية «مقاومة» بعد قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1701 للجنوب اللبناني، وتحول الحزب إلى ميليشيا تقاتل دفاعاً عن نظام الاستبداد والإبادة الجماعية في سورية وضد شعبها، ولاحقاً تفكك وانتهاء ما يسمى «جبهة المقاومة والممانعة»؟
الواقع أن ما يسعى إليه «حزب الله»، وقد لا يرعوي عن استخدام السلاح مجدداً من أجله، هو حفظ وجوده ودوره في الحياة السيـاسية الـلبنـانية، ولكن أساسـاً وقبل ذلك وبعده انتزاع ما يمكنه من امتيازات سياسية لما يطلق عليه تارة اسـم «أشــرف الناس»، وأخرى «بيئة المقاومة»، وثالثة «شيعة الإمام علي».
وفي المرحلة التي يرى فيها الحزب أن زمناً ولى وآخر قيد التشكل الآن، سواء في إيران أو في سورية أو لجهة العلاقة بين النظامين فيهما والمجتمع الدولي من ناحية والمنطقة من ناحية أخرى، فإنه يحاول إعادة تشكيل لبنان بما يتلاءم مع ضرورات بقائه… أولاً ممثلاً للطائفة الشيعية، وثانياً حامل لواء إنجاز ما يعتبره «حقوقاً» لها فيه.
ولم يكن ما فعله أمينه العام السيد حسن نصرالله ورئيس كتلته النيابية في الأيام الأخيرة، بالتهديد والصراخ بصوت عال وتوزيع الاتهامات، إلا مجرد إشارات دالة على ذلك.

السابق
اشتباكات عنيفة تدور بين الجيش السوري والمعارضة في الغوطة الشرقية
التالي
جزين: بؤس التعايش من ماضي الاصطياف إلى حاضر القلق الطائفيّ والإقليميّ (1)